“الكرد” التمويلمنأجلالمشاريعالإنسانيةوالإغاثيةشحيحوالاحتياجفيازديادمستمر
“مقداد” التحويلاتالماليةللفلسطينيينممنوعةبأمرسياسي... والطبقةالأكثرتضررًاالفقراءوالمعوزين
البرعصي: القيودالمفروضةعلىالتحويلاتالماليةللأفرادوالمؤسساتقلصتهاإلىالنصفتقريبًا
الحدث- غزة- محاسنأُصرف
لا تكاد السيدة «أم محمد» تُصدق آذانها حين تلقت اتصالًا من إحدى المؤسسات الخيرية التي طالما ترددت عليها، يُفيد بأن «فاعل خير» أراد أن يُرسل لها مبلغًا من المال يُعينها على تسديد فواتير دواء ابنها المريض منذ ولادته، لقد فرحت كثيرًا وبدأت تُعد الأيام والساعات إلى أن جاء الموعد لاستلام الحوالة وكانت المفاجأة الصادمة.
السيدة لم تتمكن من استلام الحوالة المالية والتي لا تتجاوز الـ (1000 دولار)، والسبب القيود التي تفرضها شركات الصرافة العالمية التي تُحول الأموال، حيث تفرض جملة من القيود بدءًا من ضرورة إثبات اسم الشخص المتلقي للحوالة، وفرض حد أقصى لقيمة الحوالات، ناهيك عن وجود سبب مقنع ودرجة قرابة أولية بين المرسل والمستقبل.
لم تستطع «أم محمد» أن تُثبت صلة القرابة بينها وبين مرسل الحوالة، ولم تتمكن الجمعية الخيرية الوسيطة أن تستقبل تلك الأموال وتوصيلها «لأم محمد» كونها تقع في «قطاع غزة» الذي أُعلِن عنه «إقليم متمرد» ، تقول «أم محمد» بعين دامعة حاولت بكل الطرق الحصول على تلك الحوالة لكن دون جدوى، وتُضيف أن ذلك أثر على قدرتها في توفير الأدوية الخاصة بولدها الذي يُعاني أمراضًا عدة تبدأ بالشلل الدماغي ولا تنتهي بالإعاقة في بعض الحواس كالحركة والسمع.
ويُذكر أن البنوك وشركات الصرافة الوكيلة لشركات تحويل الأموال العالمية الأمريكية والأوروبية بدأت منذ فرض الحصار على قطاع غزة بالتعامل بحذر شديد مع عمليات التحويل الواردة إلى قطاع غزة خشية الوقوع في مشاكل تؤدي بها إلى تكبد غرامات أو فرض قيود خاصة إذا ما عُلم أن المستفيدين من التحويلات يخدمون الحركات التنظيمية الموصومة أمريكيًا ودوليًا بـ»الإرهاب» مما أثر سلبًا على حال التحويلات المالية الخارجية للأفراد والمؤسسات الإنسانية وباتت شبه معدومة.
«الحدث» في سياق السطور التالية تطرح أزمة تحويل الأموال من الخارج للفلسطينيين وانعكاساتها على حياة الغزيين الذين يُعانون ارتفاعًا مستمرًا في نسب الفقر والبطالة نتيجة للحصار والقيود الإسرائيلية.
أنواعالتحويلاتوقيودها
بدايًة تحدثنا إلى «د. محمد مقداد» الخبير الاقتصادي ليوضح لنا أنواع التحويلات المالية الخارجية، فقال إنها ثلاثة أنواع، الأول التحويلات المالية الشخصية من أفراد في الخارج لذويهم في الداخل، والثاني التحويلات التي تستقبلها المؤسسات الإنسانية والخيرية في القطاع من مثيلاتها في الخارج، والثالث التحويلات الدولية من مؤسسات دولية للأراضي الفلسطينية والتي تُنفق في مشاريع تخدم القطاع.
ويُشير أستاذ الاقتصاد بالجامعة الإسلامية أن كافة التحويلات السابقة الذكر تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007، ثم تراجعت أكثر فأكثر بعد إغلاق الأنفاق.
وحول القيود المفروضة على التحويلات بيَّن أن التحويلات المالية الفردية تصل إلى القطاع وفق شروط وقيود بنكية ومصرفية تفرضها الشركات المحولة أو البنوك والشركات المصرفية المستقبلة وسلطة النقد، بينما التحويلات الدولية تكاد تكون معدومة باستثناء المنحة القطرية التي تصل وفقًا للاشتراطات الدولية المسبقة التي تلتزم بها إسرائيل إجبارًا، لافتًا أن تلك المشاريع تسير بالحد الأدنى فقط، في حين لا تصل التحويلات المالية الخاصة بالمؤسسات الإغاثية والإنسانية العاملة في القطاع في إطار تشديد الحصار الدولي والمقاطعة الدولية للنظام السياسي في غزة، واعتبر «د. مقداد» أن أسباب التقليص في حجم التحويلات الخارجية سياسية بامتياز، لكن بوجه اقتصادي بحيث تتوقف مناعتهم ويستجيبوا للاشتراطات الدولية وحتى يسيروا في الاتجاه السياسي المرسوم لهم من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
منعالتحويلللمؤسساتالإنسانية
وشكت لمؤسسات خيرية وإنسانية تُقدم خدماتها للفقراء والأيتام والأرامل، من تناقص ملحوظ في دعم مشاريعها المالية والإغاثية التي تُقدمها للفقراء والمعوزين المسجلين لديها، ويقول رئيس إحدى الجمعيات – رفض الكشف عن هويته- أن جمعيته في السنوات الأخيرة وبعد تشديد الحصار على قطاع غزة وإعلانه إقليمًا متمردًا لم تتلقَّ أكثر من 20% من التمويل المرصود لتنفيذ مشاريعها الإغاثية للفقراء والمعوزين، ويُضيف الرجل أسبابًا أخرى للتراجع في تمويل المؤسسات الخيرية في قطاع غزة أحدها بروز مشكلات داخلية في البلدان العربية، بالإضافة إلى وجود توجه عربي وإسلامي نحو دعم وتمويل مشاريع إغاثة اللاجئين السوريين الذين شردتهم الحرب الدائرة في سوريا وما زالت تطحنهم، ويبدو رئيس الجمعية متفهمًا لتعاطف المانحين مع اللاجئين السوريين وغيرهم من المنكوبين في العالم، إلا أنه يؤكد أن قطاع غزة ومؤسساته مازالت بحاجة إلى الدعم والمساندة لمواجهة الحصار الإسرائيلي والتضييق العربي.
ويحتاج أكثر من 2000 بيت في قطاع غزة إلى المساعدة والإغاثة، خاصة بعد ما خلفه إغلاق الأنفاق وتدميرها مع الجانب المصري على معدلات البطالة والفقر في القطاع والتي تفاقمت مؤخرًا.
عقوباتللعملالخيري
ومن جانبه يوضح «أحمد الكرد» رئيس تجمع المؤسسات الخيرية في قطاع غزة والذي يضم (الجمعية الإسلامية، جمعية الصلاح، والمجمع الإسلامي) يوضح أن حال التحويلات المالية من الخارج للمؤسسات الإنسانية والخيرية في قطاع غزة يكاد يكون معدومًا منذ عام 2007 وأضاف أن ما يصل من أموال مكبلًا بقيود واشتراطات كثيرة.
وأشار «الكرد» إلى عدد من العقوبات المفروضة على العمل الخيري، فأكد أنه لم يُسمح بعد عام 2007 للمؤسسات الإنسانية الخيرية العاملة في قطاع غزة أن تفتح حسابات جديدة لها حتى لو كان لها نشاطاتها وتفاعلها مع فئات المجتمع الفقيرة والتي تحتاج إلى المساعدات كـ الأيتام والمعاقون ، مؤكدًا أن ذلك منع المؤسسات الخيرية من استقبال أي أموال بالمطلق، وقال أيضًا: «أُلغيت معظم الحسابات القديمة للجمعيات باستثناء عدد محدود جدًا منها، مما أثر بشكل سلبي على العمل الخيري وعلى نوعية الخدمات والمساعدات والمشاريع التي تُنفذها الجمعيات في قطاع غزة.»
وطالب «الكرد» والذي شغل منصب وزير الشئون الاجتماعية سابقًا كافة الجهات المعنية بالضغط من أجل إعادة حالة التحويلات المالية خاصة للمؤسسات الإنسانية والخيرية إلى طبيعتها السابقة لتتمكن من تقديم خدماتها بشكل أوفى للمعوزين والفقراء والأيتام والمعاقين.
قيودتحويلاتالأفراد
ومن جهته يؤكد «خالد البرعصي» صاحب شركة صرافة بغزة أن القيود التي تفرضها شركات الصرافة العالمية على التحويلات المالية للأفراد أثرت سلبًا على حجم استقبال التحويلات من الخارج، وحول شروط بعض تلك الشركات أوضح «البرعصي» أن شركات مثل ويسترن يونيون، وموني جرام، وسبيدكاش تشترط أن يكون التحويل أو الاستقبال عبرها للأفراد وفقًا لصلة قرابة من الدرجة الأولى، إضافة إلى تحديد مبلغ مالي يتراوح بين 5 -10 آلاف دولار فقط للتحويل أو الاستقبال، وأضاف: «تشترط أيضًا عدم تكرار التحويل أو تجزئته» ولفت أن ذلك ينعكس سلبًا على قدرة المواطنين الذين يستقبلون تلك التحويلات على تسيير أمور حياتهم وتوفير متطلبات أسرهم خاصة وأن غالبيتهم ممن يُعانون الفقر والبطالة، وبيَّن أن ما يُرهق مستقبل الحوالة المالية من غزة اضطراره إلى دفع تكلفة باهظة للشركات والبنوك المعتمدة في غزة والدولة المُحولة للمال، وقال: «يتم خصم 20 دولار من جهة الإرسال ومثلهم من جهة الاستقبال مما يُخفض قيمة المبلغ المُحول»، وأوضح أن حجم الأموال المُحولة من الخارج للأفراد في قطاع غزة تراجع مُقارنة بالسنوات الماضية بنسبة (40–50%) خاصة التحويلات التي تعتمد بالدرجة الأولى على الدول العربية والخليجية منها، ويرى «البرعصي» أن الأزمة المالية العالمية ألقت بظلالها على حجم التحويلات إضافة إلى الأوضاع السياسية وما تبعها من نكسات اقتصادية في الدول العربية.
ويُذكر أن 20% من عدد المواطنين في قطاع غزة يعتمدون على تحويلات أقاربهم العاملين في الخارج من أجل تسيير أمور حياتهم المعيشية، وتؤدي التحويلات المالية إلى توفير شبكة أمان وحماية للعديد من العائلات المنكشفة والتي لا يوجد لديها دخل كافي أو معدومة الدخل بالدرجة الأساسية مما يدعو كافة الجهات المعنية إلى تيسير عملية وصول التحويلات إلى أهالي قطاع غزة الذين يُعانون من نسبة فقر كبيرة.