لمْ يكن الرَّئيس الأمريكي – باراك أوباما – وإدارتِه أوَّل الرؤساء والإدارات الأمريكيَّة الَّذين عبَّروا عن قلقهم من استمرارِ بناءِ المستوطنات، كما أعرب عن ذلك – أوباما - والنَّاطقين بلسان البيت الأبيض مؤخَّراً، وذلك منذ أنْ بدأتْ دراما الاستيطان مطلع السَّبعينيَّات من القرن الماضي، ولنْ يكونوا الأخيرين كما يبدو؛ فطالما عبَّرَتْ الإدارات الأمريكيَّة السَّالفة المُتعاقِبة عن ذلك، بعباراتٍ من قبيل أنَّ الاستيطان يمثِّلُ عقبَةً في طريق السَّلام، ومن ثمَّ أنَّ الاستيطان يُعيقُ تنفيذ رؤى الرُّؤساء الأمريكيين – كرؤية بِلْ كلينتون ورؤية أوباما – ويضع العقبات في طريق تنفيذ حلّ الدَّولَتَيْن، ولطالما عبَّرَ أُمناءُ عامِّين الأمم المتَّحدة المتعاقبين عن قلَقِهِم من استمرار الاحتلال والاستيطان، كما فعل مؤخَّراً – بان كيمون – الأمين العام الرَّاهن للأمم المتَّحدة.
ولكنَّ الرُّدود الإسرائيليَّة على ذلك كانت تأتي فجَّةً على مستوى التَّصريحات الرَّسميَّة – كما عبَّرَ عن ذلك ذات مرَّة وزير الإسكان الإسرائيلي داني دانون قبل ثلاث سنوات حيث قال: "إنَّ المستقبل القادم ليهودا والسَّامرة – الضِّفة الغربيَّة – سيكون، ويجب أنْ يكون، مُدُناً إسرائيليَّة مُمْتَدَّة ومستوطنات فلسطينيَّة معزولة بالمستوطنات"، وكما عبَّر – بن يامين نتنياهو – قبل أيامٍ بالقول: "لقد أبلغنا الإدارة الأمريكيَّة أنَّ ضَمَّ الضِّفةِ الغربيَّة سيعني عدم وجود أقليَّة يهوديَّة في دولةِ إسرائيل في المستقبل". هذا على مستوى التَّصريحات، أمَّا على مستوى الإطار النَّظري والمنهجي فالوثائق والمجريات والإجراءات الإسرائيليَّة زاخرةٌ بالأمثلة الَّتي لا حصرَ لها، فقد قال – إيغال ألون القائد المؤسِّس في حزبِ العمل وتجمُّع المعراخ، ذات مرَّة – وفي مطلع السَّبعينيَّات: "لا معنَى لإسرائيل بدون الخليل؛ ولا معنى لإسرائيل بدون الخليل، والاستيطان في الأغوار وفي الضِّفة الغربيَّة يمثِّلانِ انبعاث روح الشَّعب اليهودي وسَبَبٌ لاستمرارِ وجوده". وقد أكَّدَ على ذلك في كلِّ مناسبة كلٌّ من – حنان بورات.. القائد المؤسِّس في حزب المفدال، والطَّليعي الاستيطاني في ذات الوقت، الَّذي أسَّسَ هو وموشيه ليفنغر وبالتَّواطؤ مع وزير الدِّفاع في حينه – شمعون بيرس – للمجمَّع الاستيطاني المدعو غوش عتصيون الممتد من القدس وحتَّى الخليل كما نراه الآنْ، وقد عبَّر عن ذلك بفجاجة ووضوح كلّ زعماء حركة غوش إيمونيم ورؤساء مجالس المستوطنات، منذ ما يربو على أربعة عقود من عمر الاحتلال.
أمَّا على صعيد الواقع والوقائع، فهو ما نراهُ الآن – وسوفَ نرى المزيد منه – على صعيدِ تغيير المعالم الجيوساسيَّة والدِّيمغرافيَّة فوق تلالِ الضِّفة الغربيَّة، وعلى سفوحِها المنحَدِرة شرقاً وغرباً، والممتدَّة جنوباً وشمالاً، بين الغورِ وبينَ البحر. وكلُّ ذلك جرى ويجري على هامش القلق الأمريكي والعالمي الهامشي!
ولإنْ كانت حركة ودراما الاستيطان المُتَدَحرِجتانِ – على أيدي فتيانِ التِّلال، بحَسَبِ تعبيرات كلٌّ مِنْ مناحيم بيغن وغوش إيمونيم، برعايَةٍ حكوميَّة وأمنيَّة رسميَّة إسرائيليَّاً - قد بدأتا خِلْسَةً وفي جُنْحِ الظَّلام على تلالِ الضِّفة الغربيَّة قبل أكثر من أربعة عقود، فقد استمرَّتْ صاخِبَةً بعدَ ذلك تحتَ شمسِ الحقيقة، الَّتي تكشِفُ الاستيطان كمظهَرٍ من مظاهرِ صلَفِ القوَّةِ، الَّتي تفرِضُ مزيداً من وقائعِ الدِّيموغرافيا المُسْتَحْدَثة، والَّتي لن يفلِحْ القلق الأمريكي والعالمي الهامشيّ في وقفِ مسلسَلِها الدَّراميِّ المُحْكَمِ من حيث السِّناريو والإخراج، المُسْتَنِدِ إلى إمكاناتٍ زاخرة للمُنْتِج الإسرائيلي بدعمٍ أمريكيّ، كما لن يفلح العجز الفلسطيني وواقع الاهتراء والتَّهتُّك العربي في وقفِ إنتاج وعرضِ حلقاتِه، على أنغامِ أوركسترا عمليَّة السَّلام الآسِنة !!