الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المسح الأمني – آن له أن ينتهي/ بقلم: نور عودة

وعلامةُ رَفعِهِ الفِكرَةْ

2016-09-27 11:15:42 AM
المسح الأمني – آن له أن ينتهي/ بقلم: نور عودة
نور عودة

 

أبدأ مقالي هذا ببلاغ من باب الشفافية:

 

أنا المواطنة نور عودة أقرُ وأعترف أنني لا أقبل شرعية ما يسمى برخصة المهن والحرف المطلوبة من البلدية؛ لأنها لا تمت للمهنة بصلة ولا علاقة لها بقدرتي على ممارسة عملي وتقديم خدمة للناس. وإنني أقر أيضا استنتاجي المرير أن الإصرار الغريب على الاحتكام لقانون ديناصوري (من أوائل خمسينات القرن الماضي - أي قبل الإنترنت وثورة المعلومات والخدمات، الخ) ما هو إلا للتغطية على المسح الأمني الذي تجريه الأجهزة الأمنية على كل متقدم بطلب للترخيص، منتهكة بذلك أبسط حقوق المواطن في فتح باب رزق كريم فضلاً على المبادئ الدستورية التي لا تقبل بهذا النوع من الوصاية الأمنية على أرزاق الناس. وفي هذا السياق، ورغم اعتراضي المبدئي على آلية الحصول على الترخيص المذكور ورفضي لما يقف خلفه من عقلية تسلط وتحكم، فإنني أعلن ومن منطلق مبدئي أيضاً التزامي بالقانون واحتكامي له وإصراري على المطالبة بإنهاء ملف المسح الأمني الذي لا يليق بنا كفلسطينيين ويتنافى مع أبسط مبادئ قوانيننا وحقوقنا في المواطنة والعيش الكريم. وفي هذا السياق أيضاً، أطالب بتعديل القانون الذي يحكم ترخيص المهن ليواكب العصر ومتطلباته ويحترم المواطن وخياراته.   

 

أما بعد، فإنه لمن دواعي حزني أن أتطرق إلى موضوع ظننت بسذاجة أنه بات خلفنا بعد أن أعلنت بكل فخر واعتزاز كناطق باسم الحكومة قبل سنوات التزام الحكومة بقرار محكمة العدل العليا الذي حسم عدم قانونية المسح الأمني وقضى بعدم السماح بمصادرة حق المواطن بالرزق الكريم لأسباب أمنية. وقد ترتب آنذاك على هذا القرار السابقة توقيع وزيرة التربية والتعليم في حينه لقرارات تعيد توظيف مئات المعلمين الذين حرموا من ممارسة عملهم بسبب هذا الإجراء العشوائي وغير الدستوري. لكني في الشهر الحالي، اصطدمت بحقيقة أن هذا الإجراء لا زال معمولا به في كثير من المجالات وتحت مسميات عدة، منها رخصة المهن المطلوبة من البلديات وهي في حقيقة الأمر رخصة عمل لأنه بدونها لا يمكن لشركة أن تتعاقد مع أي مؤسسة رسمية ومع كثير من المؤسسات الدولية.

 

عند السؤال عن آلية الحصول على هذه الرخصة، يقول أحدهم في البلدية "نحن بانتظار رد الشرطة" بينما يوضح آخر أن المعاملة تذهب إلى أفرع الأمن كافة (الشرطة، الأمن الوقائي، المخابرات). وعند استهجان السائل حول الآلية والاعتراض على هذا التصرف باعتباره غير دستوري بحسب قرار لمحكمة العدل العليا وقرار آخر للحكومة الفلسطينية أنهت فيه على الورق التعامل بالمسح الأمني، يكون الجواب نظرة استعجاب خجولة تنتهي بالتأكيد أن هذا هو القانون المعمول به وطمأنة السائل بأن الموافقة ستأتي ولا داعي للقلق! لكن القلق مبرر وواجب حيث يحرم العديد من المواطنين من هذه الرخصة أو ينتظرون شهوراً طويلة في بعض الحالات للحصول عليها دون أن يفسر أحد سبب التأخير أو يعوض المتضرر عنه.  

 

هناك إشكالية أخرى تتعلق بالقانون المعمول به في البلديات، فهو لا يفرق بين المهن. بتجرد تام، الرخصة عبارة عن عمولة تأخذها البلدية ممن يريد فتح مكتبه أو مشغله في المدينة ومن حيث المبدأ، لا ضير في ذلك. لكن السؤال المنطقي الذي يجب أن يراود المسؤولين عن تطبيق القانون والمحافظة عليه بشكله الحالي القاصر هو: ما هي الجدوى من هذه الرخصة وماذا تعني؟ لماذا لا يكون هناك متطلبات تتعلق بكل مهنة على حدى وتأخذ بالاعتبار على سبيل المثال لا الحصر الأثر البيئي للمكتب أو المشغل المتقدم بالطلب؟ ما تبرير رسوم الخدمات للترخيص إذا كان المكتب المعني لا يتطلب أي خدمات إضافية من البلدية ولا يستهلك من الطاقة والماء ما يذكر؟ وهل للرخصة هذه أي أثر على عمل الشركة المعنية أو قدرتها على تقديم خدمتها؟

 

وبالعودة للموضوع الأمني، يقول قائلٌ: "ما الضرر في أن يكون هناك تأكد من عدم وجود مخالفات سير أو ما شابه قبل الترخيص؟ لكن المسلم باعتيادية هذا الاجراء المبهم لم يسأل نفسه ما العلاقة بين مخالفة السير ورخصة المهن؟ ولماذا لا تسمى الأمور بمسمياتها ولماذا – وهذا السؤال الأهم – لا تكون الإجراءات واضحة ومفسرة وخاضعة للقانون ولسقف زمني محدد؟ لمَ الإصرار على الإبهام والغموض وفتح باب موارب للسيطرة على الناس؟ لمَ الإصرار على استنساخ تجارب فاشلة لأنظمة وعقليات تتداعى الواحدة تلوى الأخرى ويلفظها الزمان والمكان؟ لمَ؟".

 

بيت القصيد هنا هو كرامة المواطن التي يمتهنها مثل هذا الإجراء الغامض حتى وإن لم يمسه سوء معاملة أو إهانة بشكل مباشر وحقوقه الأساسية التي لا تخول أي جهة، أمنية كانت أو مدنية، في التحكم بحياته وخياراته المهنية ولا تعطي الأمن حق الفيتو على أبواب الرزق في وطن تضيق فيه كل الآفاق الاقتصادية بينما يبقى فضاء الكرامة فيه عصياً على الانكماش. المشكلة لا تتعلق بالزمن الذي يتطلبه استصدار ترخيص هنا أو هناك بل في انعدام الشفافية وفي تسلل منطق التحكم الأمني بمصائر الناس وفي تسليمنا بهذا الواقع وكأنه قدر محتوم. قدرنا يجب أن يليق بنا وهو بالتأكيد لا يمكن أن يتسع لمثل هذه الضبابية والتسلط.