السيدة فيروز أطال الله عمرها، تميزت في عالم الفن الراقي بأنها صاحبة أهم وأنجح الأغاني التي رسخت القضية الفلسطينية في وعي وضمائر الأجيال، فمن يسمع اليوم زهرة المدائن التي أنتجت قبل عقود، ويسمع جسر العودة وشوارع القدس العتيقة، وغيرها من الأغنيات الخالدة، يخال أن هذه الأغنيات كتبت ولحنت وغنت اليوم، ذلك أن اكتمالها الإبداعي ورقي نصوصها جعلاها عابرة للزمن والجنسيات والقوميات والطوائف، مثلما جعلها عصية على الرتابة والملل والنسيان.
في كتابتي عن السيدة فيروز لا أبتعد عن الشأن السياسي المباشر، فالذي أوحى لي بالكتابة عن هذه السيدة العظيمة، ما جاء في خطاب بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحديداً ذلك الجزء من الخطاب الذي دعا فيه الرئيس محمود عباس لإلقاء خطاب أمام الكنيست، وهنا ظهرت في خاطري أغنية لطيفة كأنها كتبت لهذه المناسبة، غنتها فيروز قبل عشرات السنين واستخدمها الفنان دريد لحام في مسرحيته الخالدة "كاسك يا وطن"، الأغنية تقول: "تعا ولا تيجي.. واكذب علي الكذبة مش خطية".
هكذا وبهذا المضمون الساخر ينظر لدعوة نتنياهو التي لم يوجهها لعباس أصلا، وإنما للعالم في محاولة ساذجة لإظهار أن نتنياهو يعشق السلام، ويحمل في جعبته حلا نموذجياً ناجزا للقضية الفلسطينية، إلا أن عباس لا يريد، بدليل أنه تلقى دعوة لإلقاء خطاب أمام الكنيست ولم يلبيها.
منطق نتنياهو لا يستحق نقاشاً جدياً، لأنه في الأساس غير جدي، ولو أن رئيس وزراء إسرائيل يشك مجرد شك بأن عباس يمكن أن يلبي الدعوة ويقف فعلا أمام الكنيست ليقول ما لديه لما اقترب من هذه الفكرة ولوضع ألف "محسوم" بين المقاطعة في رام الله والكنيست في القدس، لهذا لم اجد ما أصف به دعوته غير أغنية فيروز "تعا ولا تيجي"
أما المقطع التالي الذي تقول فيه "اكذب علي الكذبة مش خطية"، فهذا المقطع ينطبق تماما على الدعوة الثانية التي وجهها نتنياهو لنفسه لزيارة رام الله وإلقاء خطاب أمام المجلس التشريعي ، مع أن نتنياهو يعلم بأنه يحتفظ في سجونه حتى الآن بعدد لا بأس به من أعضاء المجلس، وبوسعه وقتما أراد، ان يعتقل من تبقى، فضلا عن أنه وبأوامر مباشرة منه أغلق الحدود وأقام السدود بين أعضاء غزة وزملائهم في الضفة، ثم إنه قبل ذلك يعرف أنه لو جاء إلى رام الله على ظهر دبابة أو سيارة حرس حدود فلن يجد في قاعة المجلس التشريعي المغلقة منذ سنين إلا مقاعد فارغة تشبه تلك الكثيرة التي يشاهدها عادة في الجمعية العامة حيث معظم الوفود لم تترك في القاعة إلا من يسجل الملاحظات ليس أكثر.
دعوة نتنياهو لعباس، ودعوته لنفسه كانت نكتة ضحك عليها العالم تماما، وليعذرني الفنان العظيم دريد لحام مثلما ضحك الجمهور في مسرحيته الخالدة "كاسك يا وطن".