الحدث- جميلعليان
يعطي كاهن سامري شرحا حول خارطة مفترضة لخروج بني إسرائيل من مصر إلى الأرض المقدسة قبل أكثر من 3600 عام…مادا ذراعه على استقامتها يقول الكاهن حسني وهو أحد كهنة الطائفة السامرية التي تسكن في نابلس “كان خروجا صعبا”، وهو بذلك يشير إلى الرواية التوراتية التي تتحدث عن تلك الرحلة.
وفي فترة الأعياد التوراتية تنشط السياحة على قمة جبل جرزيم حيث يسكن بضع مئات من أبناء الطائفة السامرية التي تؤمن بالأسفار الخمسة الأولى من التوراة، لذلك يظهر الكاهن حسني وهو يدير متحفا يستقبل فيه الزوار والسياح غير قادر على الرد على المكالمات الهاتفية.
ويصل إلى جبل جرزيم وهو الجبل الجنوبي لنابلس، سنويا في فترة الأعياد مئات السياح خلال ساعات محددة. وينظر المؤمنون إلى أيام الأعياد السامرية كواحدة من أفضل أيام السياحة في الأرض المقدسة.
وتنشط السياحة بشكل واضح خلال الأعياد السامرية الدينية السبعة. واقفين أمام المتحف السامري الذي غالبا ما يتلقى فيه الزوار من مختلف أنحاء العالم شارحين عن تفاصيل حياة أصغر طائفة دينية في العالم، يمكن لمجموعة من السياح القادمين من أميركا الشمالية أن يستطلعوا الازدحام الذي تواجهه الطريق الى المتحف الذي يطل على مدينة نابلس من ارتفاع يصل الى 880 مترا فوق سطح البحر.
ويقول السامريون الذين يسكن نصفهم في نابلس والنصف الآخر في “حولون” جنوب تل أبيب، إن فترة الأعياد تشهد حضورا عالميا مكتظا. ذاته الكاهن حسني الذي حاول خلال السنوات الماضية جمع التاريخ السامري في متحف فريد من نوعه، يجد صعوبة بالغة في الرد على أسئلة السياح.
وقال الكاهن وهو يشرح عن تاريخ السلالات التي انحدر منها السامريون “يأتون إلى هنا من كل أنحاء العالم. فرصه لمن يريد ان يعرف تاريخ هذا الشعب ان يزور جرزيم”.
ويسعى السياح لاستطلاع المناطق الجغرافية في الجبل خلال ساعات.
قاطعا الطريق بين المتحف والمذبح خلال نهار عيد الفسح وهو واحد من أهم الاعياد الدينية السامرية قال المواطن الكندي جون باتسون، إنه وصل هو ومجموعة مختلفة من السياح إلى الجبل قادمين من القدس.
وأمكن لباتسون وغيره مشاهدة تفاصيل العيد الذي يحتفل به السامريون سنويا لإحياء ذكرى خروج بني إسرائيل من مصر بسبب ظلم فرعون لهم كما يقولون. وقال باتسون “خلال ساعات قليلة تعرفنا إلى أشياء كثيرة هنا”.
ويحاول السامريون مستعينين بقدرتهم على الحديث باللغة العبرية القديمة التي كتبت بها نسخ التوراة الأولى كما يقولون تقديم وجهة نظر وسطية حول الصراع في الشرق الأوسط.
وقال الكاهن حسني الذي يقدم خدمات سياحية للقادمين إلى الجبل مستعينا ببعض السامريين الآخرين إن “جرزيم ليس جبلاً مقدسا وحسب. إنه جسر السلام في العالم”.
لكن السياحة ليست مدفوعة الأجر دائما في قمه الجبل المقدس، فكثير من السياح يستطيعون ان يصلوا الى الجبل عبر شركات سياحية معظمها إسرائيلية دون ان يتحملوا أعباء تكاليف الدخول الى الجبل.
ولا يفرض السامريون رسوماً ماليه على الزوار، إلا أن الإقبال على بعض المحلات التجارية القليلة جدا يكون مضاعفا في الاوقات التي يسمح بتداول التجارة فيها من ناحيه دينية.
تاريخيا عمل السامريون في مهن كثيرة، وجزء كبير منهم دخل إلى السلك الحكومي، فيما يعمل آخرون على خط الإنتاج الصناعي مثل صناعة الطحينية، لكن آخرون يعملون في مهن متعددة داخل إسرائيل.
ويعيش المجتمع السامري حياة دينية تعتمد على الأسفار الخمسة الأولى من التوراة، لكن ليس هناك متدينون راديكاليون.. وأيضا ليس هناك علمانيون. والتربية الدينية تبدأ منذ اللحظات الاولى لحياة الفرد.
وقال الكاهن حسني “هذا ما يتعلمه السياح عندما يزورون جرزيم. إنهم يتعرفون على حياتنا كما كان يمارسها أجدادنا من قبل”. ذاته الكاهن حسني ينحدر من سبط لاوي كما كان يشرح للسياح.
ويظهر أيضا الانفتاح الاجتماعي على الآخرين حافزا لدفع السياح لزيارة المنطقة.
حاملا صولجانا خشبيا ومتمثلا بلباس أحمر قال الكاهن خضر وهو من جيل الكهنة الشباب أن الأعياد الدينية هي جسر سلام بين كل شعوب العالم. “نحن ندعوا الجميع لزيارتنا هنا”.
ويظهر في المحيط عشرات السياح بينهم اسرائيليون جاؤوا من مناطق مختلفة لمتابعة إحياء الطائفة لعيد الفصح.
وامكن مشاهدة مجموعات من السياح يقطعون الطريق مشيا بين جبل جرزيم وجبل آخر، اذ تمنع الحافلات الكبيرة من دخول المنطقة في اوقات الذروة وهي اليوم الأول من العيد.
وقال الكاهن حسني “السياح اليوم محظوظون. إننا نحكي السنه الـ 3652 بعد خروجنا من مصر” . لكن السامريون الذي يشكلون في حياتهم اليومية نموذجا لطائفة تعمل كل ما في وسعها للبقاء والتكاثر يستطيع كل واحد منهم أن يكون دليلاً سياحياً متمكناً.
فيكفي للفرد إن كان رجلاً أو امرأة أن يشرح ببساطه تاريخ الطائفة وسلالاتها المعروفة أباً عن جد حتى آدم أبو البشر.
وقال واصف الكاهن وهو عضو في لجنة الطائفة التي تتكفل بترتيب الأعياد “خلال الفترة الأخيرة بات تأثير السياحة واضحا هنا على الجبل. يأتون من كل العالم إلينا”.
وأضاف: “يستطيع أي سائح أن يدخل إلى موقع الاحتفالات بدون رسوم، يدخلون ويخرجون بحرية. هناك الكثيرين لديهم الاستعداد لدفع أموال، لكننا لا نستطيع أن نضمن مقعداً لكل شخص”.
وقت المساء عندما أعلن الكاهن الأكبر لحظة دخول العيد، وأعطى إشارة لبدء ذبح القرابين ظهر العشرات واقفين متحلقين حول الكهنة الذين يتلون سورا من التوراة.
وقالت سلوى وهي ابنة الكاهن حسني “نحن أمام العالم بشكل مباشر. صحيح أن السياح هذا العالم أقل. لكن الباب مفتوح لكل الزوار للوصول إلى الجبل”.
وأضافت “انها السياحة بلا ثمن. التاريخ بلا كتب. الحياة كما وردت في التوراة”.