الحدث- روان سمارة
سُرقت وحدة الطاقة الشمسية التي كان الهدف منها تعزيز صمود آل بلاسمة في عزبة أبو البصل إحدى معاقل الصمود غربي مدينة سلفيت، أما السارق فمجهول!
يقول خالد معالي لـ"الحدث": "يبدو أن السارق محترف فهو لم يترك أثرا واحدا خلفه ولم نستطع التعرف على هويته، والتحقيقات التي قامت بها الأجهزة الأمنية فقد حفظت لغياب الأدلة".
وحصل آل بلاسمة على وحدة شمسية تمد العزبة بالطاقة الكهربائية قبل سنوات عندما تبرعت مؤسسة الغد بهذه الوحدة لأجل دعم صمود هذه العائلة في العزبة.
عزبة أبو البصل الواقعة حيث تتقاطع مئات الدونمات من المراعي التي يملكها آل اشتية مع مستوطنة أرائيل الإسرائيلية، طريقها شاقة طويلة وعرة، وهي نموذج خاص للصمود والتشبث بالأرض والذكريات جسدته ولا تزال عائلة بلاسمة.
وتفاصيل الحكاية عند الحاجة أسماء بلاسمة أم حسن المرأة السبعينية التي زفت عروساً للعزبة قبل خمسة وخمسين عاماً، و أنجبت عشرة أبناء ارتقى أحدهم شهيداً على أرض العزبة، تقول: "تزوجت من أبو حسن رحمه الله، وسكنت العزبة معه منذ خمسة وخمسين عاماً، ورغم الشقاء وقسوة العيش، ففي هذه الأرض البركة، والذكريات، وهذه الأرض هي التي ارتوت بدماء محمد شهيداً، لذا فلن أتركها إلى أن أموت كما حصل مع زوجي".
أم حسن التي تخاف على العزبة وأرضها كخوف الأم على أبنائها تصف خوفها هذا قائلة: "لا تبعد مصانع أرائيل عن العزبة سوى عشرات الأمتار، وهو ما يعني أن الأرض ستُصادر لصالح المستوطنة في حال تركنا العزبة، أي أننا سنهدي المستوطنين عشرات من الدونمات التي تعدّ من أجود المراعي، والأراضي الزراعية، هذا بالإضافة للعديد من الخرب والآثار المحيطة بالعزبة والتي ستدمر في حال وصول المستوطنين لها، كل هذا يجعلني أصر على البقاء، وعدم ترك هذه الأرض لهم".
عقبات كثيرة تقف في وجه صمود أم حسن اليوم، كما كانت تقف في وجهها وزوجها بالأمس، فعزبة أبو البصل التي تبعد عن مدينة سلفيت ما يقارب الثلاثة كيلو مترات، تستغرق للوصول إليها ما يقارب النصف ساعة، فالطريق الوعرة التي تصعد من وادي المطوة نحو قمة الجبل، تشكل عقبة في وجه الراغبين في الوصول للعزبة من أحفاد آل بلاسمة أو المتضامنين معهم، يقول خالد معالي صهر العائلة، الصحفي والباحث: "الطريق التي تستغرق نصف ساعة بين العزبة ومدينة سلفيت، يمكن أن لا تتجاوز العشر دقائق في حال عُبدت الطريق، وهو ما يعني إهداراً للوقت والجهد، الأمر الذي من شأنه أن يشكل عائقاً في وجه وصولنا للعزبة خاصةً في أيام الشتاء".
الماء هو العقبة الثانية التي تواجه آل بلاسمة، وأم حسن بشكل خاص، خصوصاً في ظل اعتماد العائلة على الزراعة والرعي في تأمين قوت يومهم واحتياجاتهم، تقول انتصار بلاسمة: "كل ما يمكننا القيام به من أعمال يعتمد على الماء، فالزراعة والمواشي تحتاج لكميات كبيرة من المياه، وهو ما نفتقده في العزبة حيث لا يوجد في العزبة سوى بئرين قديمين لا يصلح ماؤهما للشرب، الأمر الذي يجبر والدي على الذهاب لإحضار الماء من عين المطوي".
عائلة بلاسمة التي أصبح صمودها نموذجاً يطرق في وسائل الإعلام الفلسطينية، بحاجة لدعم هذا الصمود من خلال تقديم المعونة لهم، يقول خالد معالي: "أصبحت عزبة أبو البصل ومعاناتها حديث الساعة، وبالرغم من ذلك فقد اقتصر الدعم المقدم لها على ما قدمته مؤسسة الغد، حيث رتبت هذه الاحتياجات ضمن سلم أولويات، فرممت ما يمكن ترميمه من جدران العزبة وسورها، وتقديم عشرة رؤوس من الغنم للحاجة أم حسن، إضافة لتركيب خلية شمسية تمد العزبة بالطاقة الكهربائية، وقد سرقت، ما يعني حرماننا من الوصول للعزبة واستغلال أراضيها".
مصعب بلاسمة حفيد الحاجة أم حسن هو أسير سابق، ويتردد بشكل شبه يومي على العزبة التي كما يقول عنها أرض الذكريات، يقول: "العزبة هي الماضي الجميل، وأرغب الاستقرار فيها لو أتيحت لي الفرصة، ولو استطعت العمل فيها، لكن الماء والطريق وعدم توفر عمل يؤمن لي المعيشة الكريمة هي من أكبر العقبات التي ستواجه مشروع إقامتي هناك".
بعد وفاة زوجها لا تزال أم حسن تصر على البقاء في العزبة، فهي لن تستطيع ترك الماضي الجميل وذكرياتها التي عاشتها هناك، ولن تستطيع التخلي عن رائحة التراب المجبولة بدم ابنها وعرق زوجها، وهي أيضاً لا تعرف الخوف من المستوطنين ولا تخشى شيئاً سوى الموت الذي قد يمنحهم هذه الأرض هديةً في حال وفاتها.