ما قام به المقدم في الارتباط العسكري، أسامة أبو عرب، حينما أعرب عن رأيه صراحةً في زيارة الرئيس أبو مازن ومشاركته في مراسم جنازة رئيس دولة الاحتلال السابق شمعون بيريس، كان في اعتقادي أمرا طبيعيا.
أما السبب في الاعتقاد بأن الأمر طبيعي فيعود لعدة أمور، من بينها سبب بديهي، ينطلق من أن تركيبة الأجهزة الأمنية في فلسطين تقوم على العنصر البشري، والذي هو جزء لا يتجزأ من المجتمع المحيط به، إذ ليس بالإمكان فصل عنصر الأمن الفلسطيني عن الواقع المُعاش فلسطينياً، فهو في المحصلة إما أخ أو ابن عم أو قريب أو من العائلة أو صديق أو في أضعف الإيمان "معرفة".
تلك هي تركيبة المجتمع، مجتمع تلعب فيه العلاقات الشخصية والقبائلية والعشائرية والعائلية دوراً أكبر مما تلعبه المنظومة السياسية أو الحزب أو الجهاز الأمني في بناء هيكل ما يسمى "المؤسسات".
وهي محصلة سنوات طويلة من انهيارات متتالية لمنظومة المواطنة، إن اصطلح مجازاً أن نعتبر أنه قد كانت هنالك منظومة للمواطنة من الأساس.
حادثة توقيف أبو عرب ذكرتني بحادثة أخرى، حدثت معي فترة إضراب المعلمين، حين أعلن الحراك عن تنظيم اعتصام أمام مجلس الوزراء، وتم إصدار قرار بمنع المعلمين من الوصول إلى مقر المجلس بالطلب إلى الأجهزة الأمنية تفتيش السيارات وإرجاع تلك التي تقل المعلمين، كنت قد مررت بسياراتي الشخصية على أكثر من نقطة يتواجد فيها عناصر الأمن منها تلك التي كانت على طريق القدس- نابلس وأخرى عند إحدى الشوارع المؤدية إلى مجلس الوزراء، كنت أريد المرور، فتظاهرت بالسؤال وقلت للشرطي، ما الذي يجري؟ فقال إجراءات أمنية، سألتهُ تريدون منع المعلمين من الوصول إلى مجلس الوزراء، فأجاب شخصياً: "أنا مش عم بمنع حد يمر، المعلمين مسخمين مثلنا، بدهم رواتبهم، تصير منيحة، الله يعينهم، وإن شاء الله بياخدوا حقوقهم."
سيكولوجية عنصر الأمن في فلسطين، أعتقد أنها ما زالت عصية على إعادة التأهيل وفق نظرية القانون فوق الجميع، وفوق أخي وأبي وابن عمي لصالح المؤسسة.
وحقيقة يستطيع المواطن البسيط والعادي أن يميز بين عنصر الأمن وبين الجهاز الذي ينتمي إليه، وهو يعلم تماماً أن العنصر في جهاز الأمن هو في نهاية المطاف، مواطن بسيط مثله، غلبان ولربما بحاجة لمعونة أكثر منه.
والدليل على ذلك، أنه عندما قتل عنصرا أمن في الأحداث الأخيرة في نابلس، كانت هنالك حالة تعاطف شعبية عارمة تجاه الشابين المغدورين، وكانت هنالك مطالبات واسعة بإنفاذ القانون فيمن قتلهم، لكن سرعان ما تحول هذا التعاطف الشعبي إلى غضب على مجمل الأجهزة الأمنية إثر مقتل أحمد حلاوة.
وأن المعضلة تكمن دائماً، فيمن هم أكبر وأعلى، لا شأناً، وإنما مقدرةً بالإيحاء أن عناصر الجهاز الأمني يشكلون حالة معزولة عن واقع الفلسطينيين، وهذا يتساوق تماماً مع أجندة الاحتلال وبعض وسائل إعلامه التي تسارع لنشر أخبار عن تعاون الأجهزة الأمنية على كافة المستويات والتي من أبسطها إعادة مستوطن إن تاه، أو إرشاد دورية عسكرية ضلت الطريق، دون علمهم أن الغضب إنما يحل على القيادات في الصفوف التي تضع السياسيات وتصدر الأوامر، لا على عناصر جهاز الأمن.
لذلك، فعلى كل الدول التي شاركت في بناء الأجهزة الأمنية وتأهيليها سواء الكندية أو الإيطالية أو الأمريكية أو غيرها أن تعلم جيداً أن الأمر سيظل على حاله، ما دام الاحتلال مستمرا، وما دامت القوانين تنتهك، وما دامت الشرعيات السياسية والوطنية تتآكل، وما دامت لا توجد إرادة سياسية حقيقية في الإصلاح على كافة المستويات.
لذلك، سيظل عنصر الأمن مواطنا منتمياً لعائلته قبل أن يكون منتسبا إلى جهاز أمني.