صريح العبارة
تيسيرالزَبري
عاد الحديث مرة أخرى عن احتمالات حل السلطة الفلسطينية وتسليم مفاتيحها إلى حكومة الاحتلال، أو طرق أبواب الأمم المتحدة إذا وافقت على استلام المفاتيح. ويمكن – وبسرعة – أن نصرف النظر عن الاحتمال الثاني لأسباب كثيرة سياسية وقانونية لنبقى أمام – الاحتمال الأول – أي تسليم المفاتيح إلى دولة الاحتلال!
قبل سنوات، دعا البعض من خارج مركز القرار في السلطة الفلسطينية لهكذا “مخرج” من الأزمة، وفي ذلك الوقت كان الرد عليهم بأن هكذا مخرج للأزمة هو كمن ينتقل “من تحت الدلف إلى تحت المزراب” كما يقال في المثل الشائع، وهو حل بقدر ما يحمل من إحباط واندفاع نحو المغامرة القاتلة فإنه يحمل حجماً واسعاً من اليأس من إمكانية الوصول إلى حل سياسي مقبول مع دولة الاحتلال.
المعارضون لهكذا مخرج – سواء ما يطرح الآن أو ما كان يطرح سابقاً – ومنهم كاتب هذه السطور، ما كانوا يوماً مع اتفاق اوسلو، وبالرغم من ذلك فنحن لسنا مع تسليم السلطة لإسرائيل، سواء كان التلويح بهذا الخيار تكتيكياً يستهدف الضغط على إسرائيل وحلفائها وبشكل خاص الإدارة الامريكية أو كان موقفاً فعلياً يريد الخلاص من عبء اوسلو ونتائجه.!
صحيح أن هناك سلطة فلسطينية قد نشأت بعد اتفاق اوسلو “وملحقاته” وأن عشرات الآلاف من الفلسطينيين قد عادوا إلى الضفة الغربية وغزة وبأن هناك إدارات حكومية قد أشرفت على عدد من مجالات المسؤولية الإدارية (الصحة، التعليم، الرعاية الاجتماعية...الخ) ودون الدخول في تقييم كل ذلك وما حمله من إيجابيات وعيوب لا يتسع المجال في هذا المقال لذكرها إلا أن المستفيد الأكبر من الاتفاق كانت إسرائيل سواء ما ورد بخصوص الاتفاقات الأمنية أو اتفاق باريس الاقتصادي واستباحة الأسواق الفلسطينية والموارد المالية والسيطرة على المعابر البرية والجوية والبحرية، والأهم من كل ذلك أن اسرائيل قد ضاعفت في مدى عقدين من الزمن تبع ذلك الاتفاق من عدد المستوطنات والمستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 والتي كان من المفترض أن تشكل أرض الدولة الفلسطينية حسب إعلان الاستقلال في تشرين الثاني 1988.
هل تشير كل تلك الوقائع إلى تبرير ما يعاد طرحه الآن من الدعوة إلى حل السلطة وتسليم مفاتيحها إلى إسرائيل أم إلى ضرورة الرد الإيجابي على واقع الاحتلال المتعجرف والعدواني السافر واليومي على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعه؟
إسرائيل قادرة على التعامل مع هذا التسليم دون أن يُرتب عليها عبأً اقتصادياً أو سياسياً أو أمنياً جديدا، لقد سبق لها أن مارست حكمها المباشر للأراضي المحتلة لمدة تقارب الثلاثة عقود وهي قادرة أيضاً على إيجاد أدوات من بيننا كما كان الحال مع روابط القرى، والأخطر من ذلك فإنها سوف تواصل الاستيطان على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة دون حسيب أو رقيب.
البديل عن حل السلطة هو بإجراء مراجعة سياسية لعقدين من الزمن والاتفاق على سياسة فلسطينية جديدة تتناسب مع التحديات السياسية الراهنة وأولها تثبيت المصالحة إنهاء للانقسام الفلسطيني الداخلي، يجب القبول بفكرة، أن المصالحة ربما لا تتم بخطوة واحدة، ذلك أن نصف الحل أفضل من لا شيء، لنواصل حل النصف الآخر. بعيدا عن (حكاية ابريق الزيت).والحل أيها السادة يتم بالتمسك بالثوابت الوطنية وعدم التنازل عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وأولها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم والتعويض عن أملاكهم المدمرة أو المصادرة وذلك وفق القرار الدولي 194. وفي سياق التمسك بالثوابت لا بد من التخلي عن ما يسمى بمبادلة الأرض، فهذا التنازل هو الاسم السرًي للموافقه على الاستيطان (مهما جرى من تفسيرات حول هذا الموقف بهدف التخفيف من وقعه على شعبنا). الحل ومواجهة سياسة الاحتلال والبديل عن تسليم مفاتيح بلادنا إلى دولة الاحتلال يتم بإعادة بناء مؤسسات م.ت.ف والسلطة الفلسطينية على أسس ديمقراطية سليمة تبدأ بإجراء انتخابات ديمقراطية لكل المؤسسات الفلسطينية بما فيها مؤسسة الرئاسة، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية تجاه الاعتراف بفلسطين دولة من دول الأمم المتحدة في تشرين الثاني عام 2012، وما يترتب على ذلك من تغيرات دستورية وبناء علاقات دولية تستثمر ذلك على كل الأصعدة الدولية.
والحل أيضاً يتم بإصلاح الأوضاع الاقتصادية والإدارية ووقف سياسة هدر المال العام، والمحاسبة على سوء الإدارة وانتشار الفساد والمحسوبية والابتعاد عن نمط الدول التي تحكمها أحزاب شمولية (دولة الحزب القائد) لصالح احترام التعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان وعدم التمييز بين أبناء الوطن الواحد. إن هذه السياسه هي الكفيلة بتوحيد الشعب الفلسطيني وتحقيق الانتصار على الاحتلال مهما بلغت التحديات والتضحيات.