محمود الشناوى
مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط (خاص بالحدث)
هل حان الوقت؟ هل أصبحت الساحة مهيئة لاكتمال المعادلة؟ متى يتساوى مجموع كتل المواد المتفاعلة مع مجموع كتل المواد الناتجة من التفاعل حتى يكتمل المشهد؟ تساؤلات تبدو علمية متخصصة لشأن سياسي وإنساني وتاريخي بات حلما يتراقص أمامنا، ربما من قبل أن تكتمل رؤيتنا لما يدور حولنا من أحداث، وقبل إدراكنا لحقيقة صراع البقاء صمودا خلف جدار الوطن ومعطياته ورموزه ومدخلاته ومخرجاته، التي تشبه إلى حد كبير معادلة كيميائية متعثرة تأبى الاكتمال، رغم وضوح الرموز والصيغ التي لا تقبل التشكيك فى حقائقها، بل وحتمية نتائجها التي يجب أن تضع حدا للمعضلة الفلسطينية.
ومع خضوع المعادلة الفلسطينية لمعطيات وحراكات المشهد الذى يعاد إنتاجه فى منطقتنا العربية، يبدو لزاما علينا أن نفسر ما يجرى الآن من وقائع تفتح الطريق لرسم منظومة جديدة من العلاقات بين دول المنطقة من جهة والقوى الدولية من جهة أخرى، وهو ما يجعل مصر مثلا مؤهلة لاستعادة وزنها الإقليمي، ويسهم فى تكثيف الحضور الروسى توازيا مع إنحسار التأثير الأمريكي، فى ظل توجهات إدارة الرئيس أوباما التي لا تقيم وزنا لقوى لها ثقلها مثل مصر والسعودية، ولا تعتبر أن قضية العرب والمسلمين المحورية وهى قضية فلسطين، قضية ذات أولوية فى الرصد أو التحرك.
فلم يكن أمراً عابراً أن يقوم وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان بزيارة لمصر وُصِفَت بـ “التاريخية”، بهدف فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية التي تأثرت سلبا وتراجعت بمعدلات كبيرة منذ طرد الخبراء الروس فى بداية حكم الرئيس الراحل أنور السادات، رافقتها أنباء عن صفقة أسلحة لافتة في العلاقات الثلاثية بين روسيا ومصر والمملكة العربية السعودية، وهذا الأمر يعنى إعادة تشكيل المشهد، وهو ما سوف ينتج بالضرورة معطيات جديدة تعيد توزيع أوزان القوى الإقليمية، لا سيما بعدما تم حذف العراق وسوريا من المعادلة الاستراتيجية مع إسرائيل وتم وضعهما تحت لواء إيران.
إلا أن عدة تساؤلات تقفز إلى الذهن، تمثل الإجابة عليها نقطة البداية فى فهم سيناريوهات المستقبل بالنسبة لقضايا المنطقة، خاصة القضية الفلسطينية التي ترضخ تحت وطأة وسيط غير نزيه ضمن عملية سلام مزعومة، فهل يمثل التوجه العربي إلى روسيا نقلة نوعية جدّية في العلاقة مع الولايات المتحدة، وهل الحضور الروسي القوي فى المنطقة يمكن أن يغير معادلة الكيمياء الفلسطينية؟ وهل سيفرض هذا الحضور معطيات جديدة تعيد رسم المشهد بسبب سوء إدارة أوباما لملف العلاقات مع دول المنطقة وقضاياها؟ وهنا يجب أن نستعرض موقفين يمثلان نقطة تحول فى موقع القوة الأمريكى تجاه تحجيم الأثر، في وقت يؤشران إلى تنامي الحضور المتميز لفلسطين على طاولة التوجهات الدولية.
الموقف الأول يتمثل في تقليص النفوذ الأمريكي داخل “اليونسكو” بعد الإعلان عن حرمان الولايات المتحدة من حق التصويت، جراء امتناعها عن دفع مساهمتها احتجاجاً على انضمام فلسطين إلى المنظمة يوم الجمعة الثامن من نوفمير “تشرين الثاني”، والاستماع بعد ذلك بثلاثة أيام لكلمة وزير خارجية (دولة) فلسطين، كخطاب لدولة كاملة العضوية من على منبر اليونسكو، الذي تُلي عليه قرار الحرمان الأمريكي، وكانت إلى جوار (الدولة العظمى) في قائمة الحرمان، دول هامشية صغرى من جزر المحيط التي لا تظهر في خريطة العالم محرومة أيضاً من حق التصويت، مثل: انتيجوا باربودا، ميكرونيزيا، ساوتومي ومعهم إسرائيل التى ربطت أمريكا (العظمى) نفسها بها طوال العقود الماضية، باعتبارها الولاية رقم “51”.
أما الموقف الثاني فكان القرار السعودي الذى أثار جدلا واسعا، بالانسحاب من عضوية مجلس الأمن بعد انتخابها، احتجاجاً على انحياز المجلس وعدم كفاءته في معالجة مشكلات المنطقة، على رأسها القضية الفلسطينية.
إلا أننا رغم هذا الصعود الفلسطينى فى قائمة الأولويات، متوازيا مع تراجع التأثير الأمريكي، ورغم أهمية المسألة الفلسطينية سعودياً ومصرياً، فإن الصدمة التي تعرقل إكمال معادلة الكيمياء الفلسطينية هى تطابق المواقف الأمريكية والروسية إذا ما تعلق الأمر بإسرائيل، عكس ما كانت عليه في مرحلة “الحرب الباردة”، وهو ما يتطلب إعداد صياغة جديدة تتيح الإستفادة من إقبال الدب الروسي على منطقة الشرق الأوسط، مع إعادة تقييم العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية سواء كان ساكن البيت الأبيض “الحمار الديموقراطي أو “الفيل الجمهوري”.