بدت شمس الظهيرة معلَّقة في سقف الخيمة، وكانت الأسوار تحجب الحناء المنقوش على كف مرج ابن عامر، تمدد على "البورش" في الخيمة الأولى يتابع الصندوق المعدني المحمول على وتد الخيمة العالية، لم يشاهد تلفازا مصفَّحًا بـالفولاذ من قَبل، شمَّر مع أصدقائه سواتر الخيمة الجانبية بحثاً عن نسمة شاردة من حقول البيكا القريبة.
عادة ما يجتمع الوزراء -الأطفال- مع آمر القسم في السادسة مساءً، ويكون عاصف -وزير البريد- قد أنهى تلقى الرسائل من باقي الأقسام حوالي الساعة الرابعة.
- قال صديقه: لا يبرّد الروح سوى شراب التوت البارد، هيا نُعدُّ الشراب قبل موعد البريد..
- شرابُ التوت!
لم يُذكّره الشراب إلا ببقالة حارتهم، تلك الطريق التي كان يقطعها عدواً، وهو يصكُّ أصابع الطفل على قطع معدنية تعني له الحلوى.
كان الإسفلت يغلي، والساحات خالية من البشر والظل، و بدا أنَّ حارس البرج لم يستطع احتمال المراقبة من شدة الحر، سارا إلى المطبخ الواقع في جانب القسم حيث وزير التموين يحصي ما بقي لديه من مواد قبل الاجتماع..
جلس يراقب كيف يُخضع الانسان المتاح، و يخلقُ فرحته بين الأسوار من الأسوار نفسها ..
لقد أحضر صديقه ماءً بارداً، وضع به خمس ملاعق من مُربَّى التوت، وأخذ يحركها حتى ذابت كليا، فغدا المُربَّى شراباً بارداً مُحلَّى، وكان مذاقُ الفكرة عذباً يروي الروح، ويُعليها فوق أُوام القيد، ويطفئ ظمأ الطفل الحائر بين بكاء الوحشة والخجل من الدمع؛ فللدمع دلالة انكسار أمام الجلاد.. هكذا قالوا!
ذاك الكوبُ البُنيُّ الداكن، المصنوع من الإسفلت الذائب، غدا ذاكرة لا تنسى.