الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

السلم الأهلي والتنمية / بقلم الواثق طه

2016-10-11 10:32:02 AM
السلم الأهلي والتنمية / بقلم الواثق طه
الواثق طه

 

التخوين والشتم والحنجرة الصاخبة، والاتهامات جزافًا تُكالُ بكيلِ الافتراضات المسبقة أو القناعات والمواقف غير المدعومة بالمعلومات، ظاهرة تستشري في الوطن بين مختلف فئاته العمرية.

 

إن مثل هذه الظاهرة لا بدّ وأن يقال إن التعصب الأعمى يغذيها، التعصب وإن كان لفكرة نبيلة أو نية حسنة، لكنه الوصفة الأكيدة لإنتاج الوهم، والعنف، والكراهية، والرغبة في إنهاء الآخر جنوحًا عند كذبة السيطرة والقدرة على التحكم المُطلق بالناس، ما يزرع بذور العنف المحتقن القابلة للنمو والانفجار يومًا في دوامةٍ لا تُحمد عقباها في أي مجتمع إن تجاهل المعنيون الأمر، والمعنيون هم: الممسكون بزمام القرار، أو القادرون على إحداث المُبادرة وقيادة الرأي، أو الحائزون على ثقة الجمهور وإعجابه من مثقفين ونخب.

 

إن تجارب العنف والتطرف والجنوح للتصفية الجسدية أو حتى المعنوية بالشتم والتخوين وإهدار حق الإنسان وكرامته، كلها مرّت بها شعوب أخرى، شعوب فكّرت في تطوير العقد الاجتماعي بينها، وسعت حثيثًا لتقدم نموذجًا أفضل يؤسس في عقول الناس نبذًا أصيلا للعنف، والرغبة بالتفوق والسيطرة خارج الأطر الديمقراطية المتفق عليها، وإن كانت سياسات الدول الحاكمة لتلك الشعوب وجّهت تلك الرغبات للسيطرة والاستعمار الخارجي، لكنها نجحت بتغيير فكرة الإنسان عن علاقته بالإنسان الشريك في المجتمع، ضمن مفهوم المواطنة، بنسبة كبيرة لا يُستهان بها.

 

ولعل ظهور مصطلح السلم الأهلي، والاشتغال عليه بجهد حثيث في أحشاء شعوب متنوعة الأفكار والإثنيات، يعتبر علامة بارزة في ضبط إيقاع المجتمعات لما يحمل من اختزال لمفاهيم الاحترام المتبادل، والاحتكام للقانون، واللجوء للسلوك الديمقراطي في معالجة نظم الحكم والإدارة، والأخطاء والظواهر السلبية، على قاعدة احتكار الدولة للقوة وتعهدها بالحفاظ على مستوى تلك القوة ما يضمن هيبة الشعوب دون الحاجة لتدخلها عشوائيّا وفوضويّا في حل النزاعات.
 

إن كل تلك الأفكار والتطويرات لم تكن لتحصل لو لم تبدأ الدول بالعمل على أنماط التفكير، ومكافحة الاستهانة بحقوق الفرد ضمن الجماعة، وأبسط تلك الحقوق، أن يأمن على نفسه وماله وبيته وسمعته من المحاربة والتصفية المادية والمعنوية، أن يحترم الإنسان لسانه، ويده، وسلوكه قدر المستطاع، وهذا هو الأساس الجوهري في التأسيس للانتماء وانتظام العلاقة بين الناس في حاضرهم ومستقبلهم، ولتمكين هذا النهج، لا بد لكل شعب طموح أن يبدأ بإصلاح نظامه التربوي وروافده، وتصويب مسار قواه الناعمة من مؤسسات مجتمع مدني أو أحزاب ومؤسسات دينية... من هنا تبدأ عجلة أخرى بالدوران، عجلة التنمية الحقيقية.