الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إشارة: نصف الكأس يكفي أحياناً! / بقلم : محمد شريم

2016-10-11 10:36:19 AM
إشارة: نصف الكأس يكفي أحياناً! / بقلم : محمد شريم
محمد شريم

 

يقول أهل العلم إن نظرة المرء إلى كأس نصفها مليء بالماء ونصفها فارغ تعتمد على حالة التفاؤل أو التشاؤم التي تعتري الناظر. فإذا وصف المتفائل الكأس قال : الكأس نصفها مليء ، أما المتشائم فيقول : الكأس نصفها فارغ .

 

وأنا من الذين يرون أن منطلق التوفيق ، وأساس النجاح ، هو أن يكون الإنسان من الفئة الأولى ، لما في ذلك من الخير ، فإن ذلك يريح النفس ، ويبعث الأمل ، ويشحذ الهمّة . هذا على المستوى الشخصي ، أما على المستوى الاجتماعي ، وهو الجانب العام والهامّ أيضاً من حياة الإنسان ، باعتبار أن ( الإنسان كائن اجتماعي ) كما يقول ابن خلدون ، فإن الفئة المتفائلة التي ترى النصف المليء من الكأس هي الأكثر نجاحاً ، لأنها الأقدرعلى تقييم الأمور بموضوعية وبمنطق علمي ، فإذا كان الفراغ جزءاً من واقع الكأس ، فإن الماء الذي في النصف الآخر من الكأس هو أيضاً جزء من هذا الواقع ، ولكنه هو الأكثر قدرة على التغيير .

 

وبتعبير آخر ، إن النصف الذي يروي الإنسان الظمآن ويحدث الفعل والتغييرهو النصف المليء ، أما النصف الفارغ ، فلا يغيّر شيئاً . والناس في بلادنا ، كما أرى ، وللأسف الشيد ، هم في الغالب من الفئة الثانية ، وهي الفئة التي تصف الكأس بناء على نصفها الفارغ . فإنهم يصفون الفلاح الذي زرع نصف حقله بالمهمل ، والطالب الذي حصل على نصف العلامة الكلية بالفاشل ، والفريق الذي لم يحالفه الحظ في المباراة النهائية بالخاسر ، متجاهلين أن الزارع ( المهمل ) قد زرع نصف الحقل وكسب ، وأن الطالب ( الفاشل ) قد أتقن الكثير من المهارات ، ونجح فيها ، فحصل على نصف العلامات ، وأن الفريق ( الخاسر ) قد تجاوز على طريق الفوز والتفوّق الكثير من الفرق قبل أن يصل هذه اللحظة الفارقة ، وأن الذي يصفونه بـ ( الخاسر ) الآن، كان يوصف قبل لحظات بأربح الرابحين!

 

وليس هذا الأمر ـ وأعني الحكم بناء على رؤية النصف الفارغ من الكأس ـ مقتصراً على درب من الدروب ، أو مجال من المجالات ، بل على العكس من ذلك ، فإن هذا الأمر ينطبق على جميع شؤون الحياة ، ومنها مجالات العلم والأدب والسياسة والاقتصاد وغيرها ، فما دام هذا الأمر عند أصحابه هو الفضاء النفسي الذي يتحركون فيه ، والمنطلق العملي الذي ينطلقون منه ، فإنهم لن يميّزوا في حكمهم على طبيعة ما يرون بين هذا المجال وذاك ، ذلك أنهم يحكمون بناء على هذا التفكير المتشائم الذي يسيطر عليهم ، والناتج عن الجهل في معظم الأحيان ، فيمنعهم هذا النمط من التفكير من أن يروا الأمور على حقيقتها ، فيكونون في نهاية المطاف هم الفاشلون في الحكم ، والخاسرون في النتيجة .