الحدث- ريم أبو لبن
قد نصل إلى مرحلة "الصمت" عندما نفشل في مجابهة أي مشكلة تعصف بنا، وقد نلتزم "الصمت" حين لا نريد افتعال المشاكل، وعادة ما "نصمت" أمام أي قرار خارج عن رغبتنا، وحينها نكون قد خسرنا الكثير لأننا لم نقل حينها "لا نريد"، ولم نعبر عن رغباتنا ومشاعرنا بالشكل الصحيح.
هذه الصورة المصغرة للحالة النفسية، نجدها متغلغلة وبقوة بين الروابط الأسرية التي توحد الزوجين وتحت سقف واحد، حيث تنتج حالة "الصمت" تلك انفصالا في المشاعر، وحينها نقول نفسيا أنه قد حدث طلاق عاطفي أو "صامت" بين الزوجين، وقد يؤدي هذا الانفصال فيما بعد إلى الطلاق.
"%15 من حالات الطلاق التي تحدث في المجتمع الفلسطيني، كانت بسبب توقف مشاعر الحب والعاطفة بين الزوجين"، هذا ما اكدته لـ " الحدث" الأخصائية النفسية لبنى باكير.
وقالت باكير: "الزوجة إن كرهت الزوج تدمرت الأسرة، وذلك لأن المرأة تتأثر عاطفيا وبشكل مضاعف أكثر من الرجل نتيجة الانفصال العاطفي، وبالتالي فإن فقدت المرأة عنصر الاهتمام بها، وشعرت بأنها أصبحت غير مرغوب بها من قبل الزوج، يصبح الانفصال في المشاعر لديها أمرا طبيعيا وعاديا، وقد تعمل على قتل هذه المشاعر". وبهذا قد تتفكك الأسرة وقد تفقد المقومات الأساسية للزواج والقائمة على المودة والرحمة.
لماذا نتطلق عاطفياً؟
"الوضع الاقتصادي هو المحرك الأساسي للطلاق العاطفي أو الصامت".
إذا وحسب ما ذكرت الأخصائية باكير في اتصال هاتفي مع "الحدث"، فإن انعدام الاحتياجات الأساسية للفرد من المأكل والمشرب وكذلك الملبس والمأوى، قد يقابله انعدام في إيجاد النفسية الملائمة لمبادلة المشاعر مع الشريك، وحينها ينشغل العقل فقط بالتفكير في توفير احتياجات الأسرة، متناسياً بذلك كلا الطرفين التفرغ لكسر الصمت وتبادل المشاعر والأحاديث الرومنسية".
وأضافت باكير: "عدم التعبير عن المشاعر الداخلية قد يعرضكم للإصابة بالأمراض"، وهذه رسالة واضحة للتعبير عن المشاعر والابتعاد عن حالة الصمت التي يعيشها الأزواج، حيث ارتفعت نسبة حالات الموت المفاجئ في صفوف الشباب، لتصل نسبة الوفيات من هذه الفئة العمرية إلى 12%، وذلك بفعل الضغوطات النفسية المتراكمة عليهم، وبفعل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة حسب ما ذكرت باكير لـ "الحدث".
الوضع الاقتصادي والدخل الأسري ليس وحده من يقتل المشاعر بين الأزواج داخل الأسر الفلسطينية، وإنما أيضا هناك العلاقة التبادلية التي تجمع الزوج بالزوجة، وكلاهما لا يهتم بالآخر، وقد أصبح الأمر أشبه بالروتين، وكلاهما لا يكترث لمشاعر الآخر، وما يجمع بينهما هم الأطفال فقط.
وفي ذات السياق، قالت باكير لـ "الحدث": "قد تنفصل المشاعر والعواطف بين الزوجين، إذا شعر أحدهما بأن الآخر وجد طرفا خارجيا يعوضه عن المشاعر التي لا تقدم له داخل المنزل، وحينها يشعر كلا الزوجين بالبرود تجاه بعضهما البعض، وحينها تنهار الأسرة".
وأضافت: "الزوجان المطلقان عاطفياً، يتواجدان معا وداخل بيت واحد، ولكن كلا منهما يعيش حياته الخاصة وبشكل منفرد عن الآخر، فلا مجال للحوار فيما بينهما".
ولا تخلو الحياة الزوجية في طبيعة الحال من المشاكل، وقد يكون جزء منها ناجم عن مشاكل بيئية محيطة بالأزواج، لاسيما عندما يتدخل الأهالي في طريقة تربية الأطفال والحياة الزوجية لأبنائهم.
وقالت باكير: "هذه المشاكل البيئية قد تساهم بشكل كبير في زيادة نسبة الطلاق عاطفياً لاسيما وأن الأطفال يتأثرون بشكل سلبي نتيجة العراك الدائم ما بين الأم والأب، حيث يلجأ الأطفال تلقائياً إلى استغلال هذا الجو المشحون، وكسب رضى أحد الطرفين للحصول على مبتغاهم، وهذا يزيد الطين بلة".
الطلاق العاطفي من يطلبه أولا؟
"الرجال هم من يبادرون في المحكمة لتطليق زوجاتهم بسبب الانفصال العاطفي الذي حدث بينهم"، هذا ما أكده "، قاضي محكمة قلقيلية فاروق اعديلي في اتصال هاتفي مع " الحدث".
قال اعديلي: "حسب المحكمة الشرعية، فإن أغلب قضايا الطلاق يكون فيها الزوج هو من يبادر لتطليق زوجته، ويدعى بأنها لم تعد تبادله مشاعر الحب، أو العاطفة".
وأَضاف: "المحكمة تطلق الزوجين حينها برضى الطرفين إذا انعدمت المودة والرحمة فيما بينهما، حتى لو كان لديهما أطفال، ويحدث الطلاق بعد أن تقدم المحكمة لهما بعض النصح والإرشاد من أجل التراجع عن قرار الطلاق، ولكن يصر الزوجان على الطلاق لانعدام العاطفة فيما بينهما".
إذا كثيرة هي الحالات التي يتم فيها الطلاق في المحكمة بسبب الانفصال العاطفي، وقد تصل نسبتها إلى 15% حسب ما ذكر لـ "الحدث " قاضي محكمة قلقيلية فاروق اعديلي. لاسميا وأن نسبة الطلاق قدارتفعت هذا العام مقارنة في السنوات السابقة، حيث تحتل مدينة رام الله المركز الأول في قضايا الطلاق.
"رفض الإنجاب ففصلته عاطفيا"
"رفض الإنجاب ففصلته عاطفياً" هكذا بدأت إحدى النساء الحديث عن حياتها الزوجية، وقد رفضت ذكر اسمها لـ "الحدث"، منعا من الانتقادات التي قد توجه لها وعلى ألسنة قريتها الواقعة بالقريب من مدينة رام الله.
وقالت لـ "الحدث": "تزوجت شريك حياتي الآن، بعد قصة حب دامت 7 سنوات، وبعد مرور السنوات اكتشفت أن زوجي عاقر لا ينجب، وقد نصحته وبجانب الأطباء اللجوء للزراعة، ورفض، وحاولت مرارا وتكرارإقناعه، وجابهني بالرفض".
وأضافت : "تكرار رفض الإنجاب، أشعرني باليأس، وقررت أن أبتعد عنه عاطفيا، وأن انفصل عنه داخل المنزل، وكل منا يعيش حياة خاصة به، دون أن يكترث للآخر، رفضه المستمر دفعتي للطلاق العاطفي أو الصامت كما يوصف".
وفعلا حياتنا صامتة، وتفاصيلها صامتة، ولا مجال للنقاش داخل البيت الواحد، فحينما توصد الأبواب أمام المشاعر، لا يسمح للعقل سوى البقاء والاحتفاظ بما تبقى من العمر مع "الشريك"، وهو في الواقع "شريك في صحراء لا ماء ولا منفذ فيها".