منذ أن وُقعِّت المصالحة، كُتب وسيكُتب فيها وعنها الكثير، ولكن ما يهمني وأظنه يهمُ شريحة واسعة من هذا الشعب، ليست تلك المصالحة التي وُقعِّت بين القادة والسياسيين المنقسمين، وإنما تلك التي يجب أن تُوقع بين شرائح المجتمع بعضه البعض من القاعدة الجماهيرية لكافة الأطراف، سواء من كان مختلفاً ومنقسماً، أو من لم يتصادم أو يتناحر وإنما ذهب راضيا مرضياً في تقاسم الحصص والأدوار التي كان من شأنها تعميق هذا الانقسام عمودياً.
نحن معنيين بعودتنا إلى الحياة التي كنا نحياها ونعرفها، وكانت تفرض علينا دون إجبار تقاسم الرغيف كما الهمَّ تماماً، نحمي بعضنا البعض من عاصفة ثلجية أو ريح غابرة أو وابل من اقتحام واعتقال ورصاص. نحن معنيين أن نعود ذلك الشعب الجبار الذي لم ولن تَهزهُ الرياح مهما كانت شدتها، لا ذلك المتصيد لكل همزة ولمزة من هنا أو هناك، لن تُفيد أو تدعم إلا ذلك النقيض المحتل وأعوانه.
نعم فعل الساسة ما وجب عليهم فعله، ليأتي الدور علينا لنفعل ما يجب علينا فعله على كل الأصعدة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، كي ندعم ونرسخ تلك المسماة بـ «المصالحة» في مجابهة ما يمكن أن نواجهه في قادم الأيام، خاصة حينما نعلم أن لكل شيء ثمن، وثمنُ المصالحة الذي بدا واضحاً منذ اللحظات الأولى أننا مقبلون على مواجهة من نوع آخر، مختلفة لربما، ولكنها لا شك، شكل من أشكال المواجهات التي أظنها أقسى وأصعب من المواجهات المسلحة، إنها مجابهة الصمود أمام التهديدات التي سنواجهها من حصار اقتصادي وسياسي وإعلامي.
فالأمر بالنسبة لنا كما لغيرنا من الشعوب التي ناضلت ونالت حريتها بالفعل لا بالقول، يكمن في دورين، أحدهما يلعبه القادة بوصفهم المتحدثيين الرسميين باسم الشعب، أي شعب، والآخر تلعبه قوى ومكونات المجتمع المدني -اقتصاديا وثقافيا – المدّعي للوطنية، وتكمن فيه كل مكامن القوة.
بعبارات أخرى، إن القوة الحقيقية، هي القوة الكامنة التي هي نحن الشعب، وهنا تتأتى الأسئلة، ماذا يمكن أن نفعل؟ وما الذي سنقدمه لهذه العودة إلى الوحدة؟ كيف يمكن لنا أن نلعب دوراً في تأسيس جبهة صمود كثيراً ما نادينا وادعينا أننا لها؟ كل هذه الأسئلة وغيرها، هي أسئلة مشروعة تماماً قد تجيب على رسالة هذا الأسير، أو تلك الروح التي حلقت عالياً كي ننعم نحن بالحرية المبتغاة، فهل سنكون على قدر هذه المسؤولية، سؤال أعتقد أنه برسم كل منا ودوره في التبادلية الممكنة لا المستحيلة في لعب دور القيادة.