الحدث- روان سماره
أن تنتقل من الشمال أو الجنوب للوسط، وتقتحم سوق العمل وتفاصيل المكان في رام الله فهذا يعني أنك مقبل على معركة كبرى للحصول على بيت مناسب بسعر مناسب في مدينة تتزاحم فيها المباني والكتل الإسمنتية.
صمود خالد من مدينة جنين موظفة في أحد بنوك مدينة البيرة قررت السكن في رام الله منذ عامين كانا كما ترى من أصعب سنوات حياتها، تقول لـ"الحدث": "لم أترك موقعا إلكترونيا، ولا مكتب عقارات، إلا وتوجهت لهما لأجد سكنا يناسبني، وفي كل مرة كنت أعيش تجربة قاسية، حتى أنني صرت أشعر بأننا نعمل فقط لأجل الدفع لأصحاب السكنات والسماسرة فقط".
تختلف إجارات السكنات في رام الله تبعا للمنطقة، فالجغرافيا تلعب دورا كبيرا في تحديد المقابل الذي ستدفعه لقاء حصولك على سكن، يقول خالد العاصي من سلفيت: "الماصيون وعين منجد هي من أغلى المناطق السكنية في رام الله، فقد يصل أجار الشقة التي لا تتجاوز مساحتها 150 مترا 900 دولار شهريا، وإذا كانت مؤثثة فيصل إيجارها لما يقارب 1500 دولار، وهي أسعار خيالية مقارنة بالمدن الفلسطينية الأخرى".
محمد الخالدي من الجلزون يعمل لدى إحدى شركات السيارات يرى أن الإقدام على السكن في رام الله خطوة تحتاج للدارسة الجادة، تحديدا إذا كنت من أصحاب الدخل المحدود فهذا يعني أنك ستجبر على أن تشارك غيرك في السكن مما يعني تخليك عن خصوصيتك واستقلاليتك.
محمد الذي شارك شبان آخرين في عدة سكنات في رام الله يروي لـ"الحدث" تجربته ويقول: "أعمل منذ ثلاثة أعوام في رام الله، وقررت أن أستقل بحياتي وأسكن في رام الله لكنني فوجئت بحجم الأموال التي سأدفعها شهريا للحصول على بيتي الخاص، ما دفعني للسكن مع آخرين في منطقة عين مصباح، حيث كنت أدفع 200 دولار شهريا لقاء غرفة فقط، ومن هنا تبدأ معاناة من نوع خاص كعدم القدرة على التأقلم مع الآخرين، وعدم تمتعي بالخصوصية التي كنت أحلم بها، وغير ذلك من المشاكل التي لا أرغب بتذكرها أو الحديث عنها".
سماح سماره مهندسة ديكور من سلفيت سكنت رامم الله منذ أشهر تقول لـ"الحدث": "سكنت في ام الشرايط لأنها أرخص المناطق السكنية في رام الله، ومع ذلك فأنا أدفع 300 شيقل أجار سرير واحد في بيت تشاركني فيه 6 فتيات ضمن مساحة لا تتجاوز 150 مترا مربعا، وهذا الأمر مرهق فأنا لا أتمكن من الراحة حتى".
داليا عواد من طولكرم موظفة استقبال في أحد مستشفيات رام الله تقول عن تجرتها: "سكنت منذ عام واحد، وصادفت كثيرا من أصحاب العقارات والسماسرة، وفي كل مرة كنت أواجه نوعا خاصا، فمنهم من يؤجرك ويرفض أن تستقبل الضيوف، ومنهم من يحدد لك نوع الأجهزة الكهربائية التي تستخدمها، ومنهم من يتحكم في ساعة عودتك للمنزل، ولا يوجد سبيل أمامي إلى الرضا بالشروط التي يضعونها لأنني أعلم أن رحلة البحث عن سكن آخر لن تكون سهلة تحديدا في ظل ارتفاع الأسعار المخيف الذي نشهده، فاستئجار غرفة في سكن لن يكلفك أقل من 150$ شهريا".
المهندس غسان نينو يرى أن أسعار الشقق وإيجارها يعتمد على المنطقة التي يوجد فيها السكن، فام الشرايط وبتونيا هي أكثر المناطق السكنية في رام الله التي تشهد اكتظاظا سكنيا، وهو ما يجعل من الإجارات فيها أقل مقارنة بمناطق أخرى كالماصيون وعين منجد والطيرة.
ويرى نينو أن السبب وراء ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات في رام الله عائد لارتفاع سعر الأراضي أولا، وغياب الرقابة ثانيا، والزحف السكاني باتجاه رام الله ثالثا.
ووافقه المهندس حمزة عنابي الرأي، وقال لـ"الحدث": "بعد قدوم السلطة، واتخاذ المؤسسات والوزارات من رام الله مقرا لها ارتفعت اسعار الأراضي والعقارات في رام الله بشكل مخيف، لا يتناسب مع ارتفاعها في المدن والمناطق الأخرى، فقد أصبح معظم الموظفين يسعون للاستئجار أو التملك فيها".
لا قانون ينظم الأسعار
لا يخضع سوق العقارات في رام الله لأي قانون قد ينظم جنون أسعاره، فهو يعتمد فقط على العرض والطلب، يقول المهندس غسان نينو لـ"الحدث": "الأراضي في المنطقة المصنفة A في رام الله محدودة، وهي الأراضي الوحيدة التي يمكن ترخيصها؛ لذلك فنحن نرى ارتفاعا مستمرا وكبيرا لأسعار الأراضي، وهو ما انعكس حتما غلى أسعار العقارات وإيجارها، فصاحب الشقة التي تكلف مئتي ألف دولار، يجب أن يسترد رأس مالها خلال عشرة أعوام ما يقتضي أن يكون إيجار الشقة شهريا 1700 دولار شهريا".
ويكمل نينو لـ"الحدث": "في عام 1990 كنت أتقاضى 5000 دولار عن كل تصميم أقوم به، وكان يكفي ادخار عائد أربعة تصاميم لأقوم بشراء دونم أرض، أما الآن فأنا لا أفكر بالشراء حتى لأنني لن أتمكن من ذلك فما أتقاضه لم يزد كثيرا، في حين أن سعر الأراضي ارتفع بشكل لا يعقل."
وحول تناسب هذه الأسعار مع دخل المواطن يقول المهندس حمزة عنابي لـ"الحدث": "الحل هو في السكن في الضواحي، ففي مناطق رام الله دون استثناء الأسعار مرتفعة، ولا تناسب أصحاب الدخل المحدود".
في هذا المشهد الذي يذهب ضحيته المواطن لا وجود للسلطة ووزاراتها، فهي غائبة تماما حتى عن الرقابة والتنظيم.