الحدث- نور حمد
ربوع فلسطين تستقطب شغف التجوال من أجل سماع " الحكاية " الحقيقية و التراثية التي تستدرج مشهد الحكواتي في الدراما الشامية؛ أنه المورث الشعبي الجميل الذي افتقدناه في ظل التقنيات الحديثة وانتصارها على وسائل الاتصال القديمة: كان التلفاز جهاز الاتصال اليتيم للبث المرئي، ويوفر خيارات محدودة للمشاهد، أما اليوم أصبح جهاز "الموبايل" صديقنا الذي لا يفارقنا أبداً، وباتت مقاطع الفيديو تجتاحك بقسوة وبلا رحمة.
يحلم معظمنا بالجلوس أمام " حكواتي " يروي حكاية شعبية عن بطل أو موقف نبيل، لقد أصبح هذا الحلم حقيقة لأهلنا في فلسطين: هنا احترف حمزة العقرباوي مهنة " الحكواتي " فقدم كثيراً للموروث الشعبي، وقد نفعه في إتقان هذه المهنة حبه لفلسطين التي تستحوذ على تفكيره، ويبدو الأمر جلياً عبر كلامه وسرده للتراث في تجواله.
أبو العجائز
لقد تحول حمزة إبن بلدة عقربا قضاء نابلس قبل أكثر من عشر سنوات إلى العمل الثقافي الشعبي فوجد "الكنز" عندما بدأ يبحث في بلدته عن الموروث الشعبي "الحكاية الفلسطينية والتراث الفلسطيني"، حيث قام العقرباوي بتجميعه في ذاكرة كتاب أصدره عام2014 يحمل عنوان "إطلالة المنبر".
علاقته مع الحكايات كانت مع جده؛ الذي كان قاصاً وراوياً مميزاً، يسرد تاريخ العائلات والبلد لزواره. يبدو أن الجينات لعبت دورا هاما مع حمزة؛ فتقدم أول مرة كحواتي من خلال استضافته لفريق تجوال سفر في قرية" يانون" المنكوبة جنوب شرق نابلس سنة 2012.
يقول العقرباوي: "في بداية مشواري لم يتقبل البعض فكرتي بالتجول على العجائز وكبار السن؛ لأجمع معلوماتي، وأطلق علي أصدقائي لقب "أبو العجايز".
باحث تراث يجمع الوثاىق
بدأ حمزة يجمع بشغف وثائق تعود إلى العام 1842 منذ العهد العثماني ثم حقبة الانتداب البريطاني، ووقع على مخطوطات مهمة وفريدة "مخطوط سند صوفي على الطريقة الرفاعية مسنداً بالتسلسل للامام علي، فرمان من السلطان عبد الحميد الثاني ، مذكرات عن عام 1917 لأحد الفلاحين، ومذكرات عن ثورة 36 للمجاهد داوود القاسمي، بالاضافة لعشرات شهادات الميلاد والوثائق التي تغطي الفترة قبل 1900 . بالرغم من أنه مرت عليها مئات السنين إلا أنها بقيت محتفظة بجوهرها، فلم يسبقه في الاهتمام بها أحد، وتمكن من إقتناء كنز حقيقي في مكتبته المنزلية .
لا يكتفي حمزة بهذا النشاط بل أراد أن يحفظ هذا التراث بطريقة نبيله وهي المرشد والدليل السياحي ، فعكف وبعض المؤسسات على توثيق الحكاية الشعبية والتاريخ الفلسطيني من خلال التجوال في أرجاء فلسطين، ومن خلال مرافقته في جولة "باص السوشال ميديا" برفقة مجموعة من المدونين وقفتُ على نوع شخصيته: مثقف متعلم واعي يقدم رسالة وصورة واضحة صادقة عن بلده دون زيادة أو نقصان، ذو خلق رفيع يتحلى بالصبر، معطاء في جميع الحالات، ويستخدم تعبير "حي الضيف" بلباقة عند الترحيب واستهلال الكلام .
يجول أيضا الحكواتي " حمزة " من العام 2009 مع تجمعات شبابية في الجامعات والمدارس في غالبية مدن وقرى فلسيطن؛ ليروي حكايا المورث الشعبي الفلسطيني من البحر إلى النهر.
لم ينسى "العقرباوي حمزة" دمعته على بحر يافا، بعد أن أستطاع تجاوز كل الحواجز حتى وصل يافا في جولة لا تُنسى باعتبارها المرة الأولى التي أستطاع أن يرى فيها البحر، ويروي الحكايا عن البلاد التي وقع في مصيدتها عاشقاً:" فلسطين نفس عميق ثقيل، فلسطين الحلم والهوية والحكاية هي الثقافة والانتماء والعادات والتقاليد الجميلة".
يعمل حمزة جاهدا على تحقيق هدفه وهو أن يكون هناك تطبيق على أجهزة الموبايل يحتوي هذا التطبيق على أطلس شامل من البحر إلى النهر للأستفادة منه بالتجوال.
حمزة إبنٌ لمزارع وفلاحة غرسا فيه روح الأرض. متزوج من معلمة الرياضيات نقاء ولديه ولدان أسامة وزيد. له من الأخوة أربعة: أسماء وشيماء وبراء وعبدالرحمن. حمزة لم يتمكن من الحصول على شهادة جامعية، فقد إلتحق في جامعة النجاح لسنة واحدة، وتوقف عن متابعة تحصيلة الأكاديمي؛ ليحلق خلف حلمه في تجميع المورث الشعبي.