تناول الكثير منا في الآونة الأخيرة موضوع المواطنة بطرق مختلفة، وتم التركيز من خلال ذلك على أهمية أن يعامل الفرد في مجتمعنا كمواطن أولا، وكل ما تلا ذلك من جنس أو عرق أو دين... هو شأن خاص بالفرد لا ينتقص من حقه كمواطن لا من قريب أو بعيد .
تناولنا أيضا أهمية المسيرة التربوية في حياة الأفراد والمناهج والأساليب التعليمية المنظورة التي يجب أن تثري الفكر والعاطفة والإبداع والتميز للأجيال المتلاحقة؛ لبناء مجتمع صحي متوازن يحترم فيه الآخر .
تعددت الكتابات والهدف واحد، لكن هذه الكتابات ستبقى حبرا على ورق إن لم تجد قانونا ينظمها، وهيئات حكومية ورسمية تكون مسؤولة عن دراسة تفاصيلها وآلية تطبيقها.
نعم، نحن بحاجة إلى صناع القرار السياسي لسن قانون مواطنة تحت عنوان قانون واحد للجميع، فيه الآخر وأنا سواسية، لا تحكمنا فيه شريعة هذا أو ذاك، أو قوة حزبية متنفذه يقودها هذا أو ذاك، إنما نريد قانون مواطنة يجمعنا بعيدا عن التطرف والجهل بمعرفة الآخر.نريد قانونا يسعى إلى تنقية مناهجنا الدراسية من المفردات المغذية للتطرف، والمس بحقوق الآقلية، وقتل الإبداع، وتغييب العقل والوعي ونبذ الآخر.
لست هنا بصدد التطرق إلى أحكام الجنسية، لكن بما أن الجنسية هي علاقة قانونية بين الفرد والدولة، إذن يتوجب على الأخيرة سن القوانين التي تحافظ على مواطنة حاملي هذه الجنسية دون إجحاف أو تمييز.
يعد هذا الوعي بالمواطنة أساس انتماء المواطن لهذا الوطن، عندها ورغم الاختلافات تتساوى الحقوق والواجبات، وتبدأ مسيرة ارتباط المواطنة بالديمقراطية من حيث تكافؤ الفرص السياسية والاقتصادية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، بعيدا عن التحيز لأي جهة أو فرد.
ورغم أن مفهوم المواطنة ليس حديثا، ويعود إلى عصور قديمة تمتد جذورها إلى الحضارة اليونانية، إلا أن تطور هذا المفهوم من عصر إلى آخر تأثر بنتائج التغيرات السياسية ومصالح الدول. الا إن ما يعنينا الآن وما نحن بأمس الحاجة إليه هو تلك العلاقة التي تجمع الفرد بمنظومة من الواجبات والحقوق المتساوية للأفراد، تحت مظلة نظام ديمقراطي يحفظ توازن هذه العلاقة. ويشمل ذلك الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية... ويصون حرية الفكر والكلمة، ويعطي الأمان بكافة أبعاده للمواطن تحت مظلة قانون واحد ينضوي تحته الجميع.
لنبدأ بتربية أبنائنا على مفهوم المواطنة ضمن مناهجنا التعليمية، ومن خلال الأساليب التوعوية والثقافية التي تنمي لديهم حب الوطن، والانتماء إليه، والتوازن الثقافي الحضاري مع مثيله لدى الدول الأخرى. إذ أن في هذا التوازن ما يضمن الانتماء الذاتي للفرد، ويضمن أيضا القدرة على الاندماج والتواصل الإيجابي بالثقافات الأخرى، عوضا عن انهيار الحدود بين الثقافات والصدمات والآثار السلبية التي قد تصاحب ذلك. أن تفاعل العنصر السياسي والثقافي والاجتماعي يشكل علاقة مترابطة بين أفراد المجتمع الواحد، فيصير الانتماء للوطن دون غيره.
أن عدم التوجه إلى الإصلاح الجذري، وعدم تسليط الضوء بوضوح نحو الحقوق والواجبات من خلال قانون مواطنة واضح المعالم، وقوي في الآداء، ومناهج تربوية تعزز هذه الثقافة، سيبقينا ندور في فلك مظلم مخيف يلونه الأحمر... والأسود، وسيبقي العقول الضيقة تدير دفة الأمور ... لكن إلى أين؟