عندما تنظر في عيني كل من شارك في مسيرة "وطنيون لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة"، لا ترى إلا ذلك الصدق، وذلك الإخلاص، وذلك الإيمان بما يرددون، وبما جاؤوا ليعتصموا من أجله في دوار الشهيد ياسر عرفات.
المؤلم أن كل القوى والفصائل والمستقلين والوطنيين وكل من آمن بالمشاركة عبر النزول إلى الشارع يوم السبت ليقول:"لا للانقسام"، لم يتمكنوا جميعهم من أن يجمعوا الحشد الكافي اللافت ليفرض ما يطالبون به على طاولة "القيادة السياسية". حتى التغطية الإعلامية المصاحبة للحدث كانت من قبيل المجاملة، ومن قبيل فراغ المحتوى السياسي الحالي من أي مضمون بالإمكان تقديمه كمادة دسمة على شاشات الفضائيات.
حال مسيرة "وطنيون" هي مثل حال أي تجمع أو حراك آخر لديه توجه ورؤية وطنية وحدوية، لكنه يفتقر إلى التأثير، فأين تكمن المشكلة إذن؟
وقد حاولت أن أضع مجموعةً من الأسباب في محاولة لتشخيص أسباب هذا النكوص، والتراجع أو الإحجام عن المشاركة في أي حراك سياسي وطني، والتي من بينها اعتصامات الأسرى، مسيرات الفصائل، مسيرات المناهضة لسياسات الاحتلال، فيما حاولت أن أضع جملةً من الحلول المقترحة في مقال لاحق.
تشخيص أولي
1. تراجع الشرعيات السياسية بسبب تعطل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية، ما تسبب في حدوث فجوة في العلاقة ما بين المستوى السياسي والقاعدة الشعبية.
2. تردي الواقع الاقتصادي والاجتماعي بسبب الفشل في إيجاد حلول من قبل المستوى السياسي لمشكلات اقتصادية واجتماعية ضربت بنية المجمتع.
3. الفشل في تحقيق إنجاز يسوق للمواطن على أنه إنجاز وطني يخدم الوطن والمواطن.
4. تهميش دور الشباب في المشاركة السياسية وعدم الاهتمام بدورهم المحوري في التأثير.
5. فقدان ثقة المواطنين بالنخب بكافة أشكالها السياسية والاقتصادية والثقافية، التي باتت تعبر عن مصالحها أكثر مما تعبر عن مصلحة المواطن.
6. تراجع دور الفصائل وتراجع تأثيرها بسبب مشكلات ذاتية أصيلة، تتعلق بتصلب تركيبتها البنيوية، وعدم ضخ دماء جديدة فيها، وعدم وجود تمثيل حقيقي لها في الشارع، ما محى قدرتها على التعبئة الجماهيرية، وأفقدها المكانة والدور.
7. الخطاب السياسي العام البعيد عن التخصيص، والمليء بالشعارات، وازدواجية اللغة بين ما هو معلن وبين ما يطبق على الأرض.
8. تراجع واقع الحقوق والحريات وتزايد انتهاك حرية الرأي والتعبير.
9. ازدياد نفوذ الأجهزة الأمنية وبسط يدها الطولى دون مراجعة أو محاسبة.
10. تراتبية أولويات المواطن حيث تراجعت الأولويات الوطنية لصالح الأولويات الفردية والشخصية.
11. نكوص مفهوم الولاء من الولاء للوطن إلى الولاء للشخوص، بسبب سياسات المنفعة، وشراء الذمم، والعلاقات الشخصية المستخدمة كأساس للسياسات العامة والإدارة.
12. فشل أي حراك جماهيري في التنظيم والقدرة على الوصول إلى القاعدة؛ إلى الناس.
13. فقدان الثقة بوسائل الإعلام، كجهة تتمتع بالحيادية والصدقية في نقل الخبر للجمهور المتلقي.
14. تردي الوعي السياسي وثقافة التنوع والاختلاف ما تسبب في حالة من تشويه الآخر على اختلافه.
15. الاستقطاب الحاد بين أكبر فصيلين على الساحة.
16. تدمير ثقافة الإيمان بالذات، وأن الفرد مؤثر وقادر على التغيير.
17. غياب فكر وطني جامع ومؤثر.
18. الخوف.