الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حقيقة الخديعة/ بقلم : رائد دحبور

2016-10-25 09:47:22 AM
حقيقة الخديعة/ بقلم : رائد دحبور
رائد دحبور

 

"استقر الروبوت الرقمي بحجم اليعسوب على نافذة غرفة العمليات التابعة لوكالة الأمن الخاصة بالبيت الأبيض، ثم دخل وحلق قريباً من سقف الغرفة، ونقل الأصوات والصور اللازمة"، كان هذا ما كتبه "دان براون" في رويته بعنوان: حقيقة الخديعة.

 

يوحي دان براون للقارىء أنَّ ذلك كان حقيقيًّا، في سياق روايته التي تتناول محاولات وكالة الفضاء ناسا تلبية طلب البيت الأبيض بالإعلان عن اكتشاف فضائي جديد يدعم حملة الرئيس الانتخابية، في غمرة سخونة النقاشات الدائرة حول جدوى تخصيص ميزانيات ضخمة وإضافية لنشاطات وكالة الفضاء ناسا، على حساب الإنفاق الحكومي على الميزانيات المخصصة للضمان الاجتماعي والخدمات الطبية ومن جيوب دافعي الضرائب بطبيعة الحال.

 

ذلك الاكتشاف السوبر هو إثبات أنَّ هناك حيوات في الفضاء الخارجي، وذلك بواسطة الإعلان عن العثور على صخرة مدفونة في أعماق جليد القطب الشمالي تحتوي على مستحاثات لحشرات عملاقة تحجرت منذ ملايين السنين، ومصدرها الفضاء الخارجي في تلك الصخرة الغائرة تحت ركام مئات الأمتار من الجليد؛ حيث أنَّ ذلك سيدعم في النهاية حملة الرئيس الانتخابية من جهة أنه هو من وافق على - وخصص- تلك الموازنات لوكالة ناسا. وتكون الوكالة هي من وضع في الحقيقة تلك الصخرة في الأعماق وبالتعاون مع وكالة الأمن الخاصة التابعة للبيت الأبيض، وهما يريدان أن يثبتا وعن طريق الخداع صحة الاكتشاف.

 

في النهاية يتم استجلاب مجموعة من العلماء في مختلف الاختصاصات الفضائية والجيولوجية والفيزيائية والكيميائية والبيولوجية للشهادة على هذا الاكتشاف، لا يوافق مجموعة من العلماء على ذلك بعد أن يكتشفوا حقيقة الخديعة؛ فيتم تصفيتهم تباعاً من قبل وكالة الأمن التابعة للرئيس مباشرة على يد وحدة المهمات الخاصة التي تدعى "دلتا فوريس" والموكل بها تنفيذ عمليات سرية في مختلف مناطق العالم، والمتاح لها إمكانات تكنولوجية فائقة لم تتناه لمسامع أحد حتى الآن!.

 

بصرف النظر عن طبيعة وعمق الإثارة والغرابة والخيال فيما يكتبه "دان براون" عادة في رواياته - وأشهرها ربما رواية شيفرة دافنشي- إلا أنَّ ما أتى على ذكره في رواية "حقيقة الخديعة" يستدعي الانتباه، خصوصاً ما يتصل بطبيعة مجتمع النخبة الأمريكي، وبطبيعة الأدوات المستخدمة في إدارة التنافس بين المترشحين للبيت الأبيض.

 

كان هذا مثالاً على التنافس فيما يتصل بإدارة السياسة الداخلية الأمريكية وتوظيفها في صالح إدارة -أو ضد- حملة الرئيس ومنافسيه، لكن هناك عشرات الأمثلة فيما يتعلق بإدارة السياسة الخارجية وتوظيف ذلك في ذات مضمار السباق الانتخابي.

 

حروب أمريكا اللاتينية مثالاً، حروب كمبوديا واللاوس وكوريا وفيتنام مثالاً آخراً، حروب الشرق الأوسط، وما يجري الآن في حلب والموصل وكيف جرى ويجري دعم داعش ومشتقاتها من جهة ومحاربتها استعراضيًّا من جهة أخرى في سوريا والعراق، وكيف يجري توظيف ذلك في التنافس بين هيلاري وترامب مثالاً قائماً واضحاً شاهداً، وصارخا.

 

ومع ذلك، لا بد هنا من التذكير بحقيقة أكيدة فيما يخص السياسة الأمريكية -وتمتاز بها سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً- ألا وهي حقيقة أنَّ الولايات المتحدة ليس لها سياسة خارجية بالمعنى التقليدي والأكاديمي المعروف، فمجمل سياساتها الخارجية تنبع من -وعلى قاعدة- ضرورات ومقتضيات مصالحها الفدرالية الداخلية، وهي بهذا المعنى انعكاس لمقتضيات مصالح مراكز القوى الداخلية واللوبيات -مجموعات الضغط- العاملة على تأمين تحقيق تلك المصالح، بما في ذلك مجالس إدارة الشركات العملاقة العابرة للمحيطات. تبقى ثمة ميزة وخصيصة متصلة بسياسة الولايات المتحدة، وهي: إن كانت الولايات المتحدة لا تمتلك سياسة خارجية بالمعنى التقليدي؛ إلا أنها توظف أدوات السياسة والحروب في الغلاف العالمي خارج حدودها الجغرافية على امتداد القارات الخمس في خدمة سياساتها الداخلية، وتحديداً الاقتصادية منها، وبما يضمن لها ازدهاراً اقتصاديًّا عبر إدامة واقع الهيمنة على مسطحات القارات اليابسة والمائية، تارة عبر اتباع منهج إلحاق الآخرين بوسائل السياسة وغيرها من آليات الإخضاع، وأخرى عبر إنعاش مجتمعاتها الصناعية العسكرية عبر إشعال الحروب الصغيرة، أو الكبيرة.