ما الأكثر مأساوية على الإطلاق:أنْ تنام معانقا حبيبتك وحين تستيقظ صباحا لا تجدها بقربك؟ أم أن تفوّت موعد عمل مهمّ تخسر بسببه ثروة طائلة؟ تتحدّد الإجابة بحسب نظرة الإنسان إلى الأشياء والعالم، بحسب مفهومه الشخصيّ للقيمة. بهذا يمكن القول إن العالم موجود في نظر الإنسان إليه، وليس وجوده الفعلي في الواقع إلا حدوث فارغ من المعنى؛ المعنى بما هو اختلاق بشري خالص وغير بريء إلى حدّ خطير بحيث يصيب الخطابُ أهدافا لا تنتبه إليها ذائقة القارئ المنجذبة إلى الجمالية النصيّة. الآن؛ ما الذي تفقده إذا فقدت امرأة تحبك بحق تجدها فيك حين تفقد العالم وما فيه؟ ما الذي تفقده إذا فقدت المال؟ الفقد واحد لكن نيرانه متفاوتة، لذلك يكون لرؤية الإنسان دور مهم في تحديد أيّ نوع من الفقد أهون من غيره، وأيّه أقلّ حدّة في تفجير براكين الندم.
لتعميق السؤال أكثر:ما الذي تربحه إذا كسبتَ العالم وامتلكتَ فردوس ملذّاته وخسرت ذاتك؟ إذا خسرت العالم وفزت بذاتك؟ الإجابة دوما يحددها منظورك إلى الحياة وقدرتك على التنامي معها بنفس ملحمي جمالي يتيح لك تقدير الأشياء الأكثر قيمة، تلك التي تجعل العالم أجمل وأكثر بهاءً من صورته الواقعية، أنْ تراهُ كالمنقِّب عن ذهب التفاصيل التي تكوّن المعنى الحقيقي لهذا العبور السرمدي، عبور نهر الزمن والغوص في ذاكرة الأمكنة. السؤال هنا هو عن مقدرة الإنسان على خلق العالم كما ينعكس على مرايا إدراكه، كما يريد أن يراه هو أيضا.
من باب فتح السؤال وتشعيبه أكثر:هل نستطيع أن نبلغ طيبة الشجرة وفتنتها؛ نعتدي عليها ونتّخذ منها أثاثا لبيوتنا، ومع ذلك لا تبخل علينا بالظل والفاكهة؟ نستطيع ذلك فقط حين نختار أن نخسر صفقة مربحة ونفوز بقلوب حبيباتنا، جسد واحد/وحيد سيموت من شدّة البرد فقط، جسد واحد أيضا هو انتكاسة غير مشرفة لمسالك الجينات وهي ترفع مجد السلالة رويدا رويدا على سلم البيولوجيا والحضارة معا. جسد واحد مع مالٍ كثير لا يعني إلا حماقة القصب الذكري حين لا يجد له بيتا يقيم فيه، عن شقوة الذكور حين يختارون ركوب سيارة على امتطاء أمواج قلب امرأة مختلفة الروح والمخيّلة.
أتحدّث هنا عما يبدو لي جوهر الحياة، أن ترى في العالم مواطن الفتنة، وأنت غالبا لن تجدها في فندق فخم ولا في امتلاء حياتك بالبذخ والثراء فقط. ما الذي تريده من العالم؟ هذا هو السؤال الذي منه تبدأ مغامرة العيش، كثيرون يطرحون أسئلة كثيرة، لكنها ليست دائما الأسئلة المهمة؛ فهذه الأخيرة تغيّر مسارات الكائن ومصائره بشكل حاسم ومفصليّ. يبدو ملحّا الآن أن تختار سؤالك الأهمّ:سؤال الوجود، لأنّ محاولات إجابتك عنه هي أحد أهمّ المحددات لمفهوم القيمة عندك؛ قيمة الحياة كما تبنيها أنت، لا كما ترث تصوّراتها عن قيم الجماعة؛ القيمة فردانية إلى درجة التطرّف.
أخيرا، أعرف أني لم أجبْك كثيرا صديقي القارئ، لكني أعرف في الآن نفسه أني حاولتُ..المهم دوما أن نحاول، تماما كصرخة امرئ القيس:"نحاول ملكا أو نموت فنعذرا"، فلنحاول إذن.