ورود الموسوي
شاعرة عراقية/ لندن
لا أريدُ من الحبّ غير البداية / محمود الدرويش
أن تكتبَ عن البدايات يعني أنكَ تضعُ ذاكرتك بين كفّيكَ وتحاول استرجاع شريط عمرك ورصيده من البدايات الكثيرة الناجحة والفاشلة. البداياتُ هي عمرٌ بحاله يكفي لسرد كل الحكايا العالقةِ بالروح بعده. البدايةُ هي المحطة الأولى لأي فكرةٍ تقدح في الذهن ولأي شرارةٍ تؤججها الروح بين اثنين. فماذا يعني أن تثرثر وتنسى نفسك في أول لقاء يجمعك بشخص تظلّ مشدوداً له فتعرفُ في قرارتكَ أنه سيكون حبيباً في مستقبلك القريب، أو صديقاً من طرازٍ فريد .
قلتُها ذات مرةٍ (كلُّ البداياتِ ثرثارة)، ودائماً ما تكون مكتظّة بالغرابة والأحاسيس المبللة بالخجل والتوق والخوف والترقب ولكأن البدايةَ حالة صوفية من الخفاء تلبسكَ وأنت تضع قدمك على أول سلّم منها، لذاكَ رأى محمود درويش الحبّ مختصَراً في بداياته فقط غير ناظر لما سيعكّره من زحام الأسئلة والهروب من الأجوبة والطوق الذي سيلبسه المحبون فيما بعد.
ولأنها بدايةُ البدايةِ فيكفي أن أستعيرَ من شهرزاد رأسها وهي تفكر ببدايةٍ تفضي بها للهروب من الموت في الغد، وتطلقُ العنان لخيالها بما يتسعُ لمستمعين.
ولأني أنحدرُ من بابلَ وحضارتها التي عُرفتْ بسحر بناتها وحكاياتهن، ولأنّ الغربةَ حطّت رحالي في مدينة الضباب لندن , تلك المدينةُ المليئةُ بالحكايا والمطر. ولأنّ قلبي معلّقُ بليل بغداد وحكاياه، ولأني أيضاً سأقعُ بين مطرقتيْ شهرزاد أمّنا التي علّمتنا حبكة القول، وحذامِ التي لابدّ أن يُصدَّقَ قولُها لذا اخترتها عنواناً لكل ما سيقعُ تحتَ اسمها تلك المرأة التي صارت مثلاً يُستَدلُّ به على الرأي السديد:
إذا قالت حذامِ فصدّقوها فإنّ القولَ ما قالت حذامِ
أكونُ بدأتُ بدايتي من كل ذاك الذي أتيتُ منه لأحطّ رحلي بين بيوتاتٍ تعرّشَ في فيئها عنبٌ واخضرّت بها حقول الزيتون لأمشي في شوارعها العتيقة، تلك المدينة القديمة أعني المدينةُ التي ما زلتُ أحلمُ بعبورها يوماً أعني قدسنا ومسجدها الأقصى، أجيءُ لاُتْـبِـع الخَطوَ خطوةً كي أكسرَ حاجز المسافات والعبور، وأبدأ من قبلتي الأولى وأرش بما قطّرتْ وردة روحها كل حواري فلسطين وآخذ معي الصبيّات كي نسكبَ الحكايا كلما سكتت شهرزادَ وكلما صدّق الناسُ حذامِ وهي تهمّ ببدايةٍ أخرى.