الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تراجع القضية الفلسطينية في الوعي الشعبي العربي/ بقلم: عبد الصمد بن شريف

2016-11-03 11:35:19 AM
تراجع القضية الفلسطينية في الوعي الشعبي العربي/ بقلم: عبد الصمد بن شريف
عبد الصمد بن شريف

 

منذ 1977 وتحديداً في 29 نوفمبر– تشرين الثاني، دأبت الأمم المتحدة وكل الشعوب والقوى والمنظمات المناصرة والمؤيدة لعدالة وشرعية القضية الفلسطينية، على الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال جملة من الأنشطة، بما فيها تنظيم المسيرات  المنددة بسياسة الاحتلال الإسرائيلي، والمطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها  القدس الشرقية، وإقامة المهرجانات والندوات والأمسيات الفنية الشعرية الملتزمة والمحرضة والمؤججة لمشاعر النضال والتضامن.

 

كان حلول 29 نوفمبر- تشرين الثاني من كل عام، يشكل بالنسبة لفئات عريضة من القوى السياسية والنخب الثقافية والمنابر الإعلامية والمنظمات النقابية والجمعيات المدنية العربية -على وجه الخصوص-  لحظة ثورية مثالية للتعبير عن المواقف والأفكار والمبادئ والثوابت والقناعات المرتبطة بنضال الشعب الفلسطيني وقضيته التي تحولت في أدبيات وخطاب وممارسة جملة من التيارات السياسية اليسارية إلى قضية وطنية مركزية، كما كان عليه الحال في المغرب.

 

 كان الاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني يستثمر من طرف عدد من التيارات والقوى في المنطقة العربية، قصد تثبيت وتجذير وجودها في المشهد السياسي والنسيج المجتمعي، وبهدف استقطاب مزيد من الأنصار والمتعاطفين مع مشروعها السياسي  والأيديولوجي. ولم تتوان هذه التيارات في اقتناص نفس المناسبة لتمرير عدد من الرسائل الصريحة والمشفرة إلى الأنظمة والحكومات والدول المصنفة في خانة الإمبريالية التي تدعم السياسة التوسعية للكيان الإسرائيلي.

 

وموازاة مع ذلك، لا يمكن صرف النظر عما كان يعرف بالأسابيع الثقافية الفلسطينية التي كانت أشبه بفريضة أيديولوجية، وبطقس نضالي لا مناص من إقامته لكي تكتمل شروط الإيمان بالقضية الفلسطينية. ولعبت الاتحادات الطلابية وشبيبات الأحزاب الوطنية والديمقراطية وتنظيماتها القطاعية واتحادات الكتاب والمركزيات النقابية وجمعيات تقدمية دوراً طلائعيًّا وأساسيًّا في الحفاظ على مركزية القضية الفلسطينية، وعدالة نضالها في الوعي الشعبي، كما كان سائدٌ في المغرب وغيره من البلدان العربية.

 

ومن بين مظاهر زخم الحضور الفلسطيني في أجندة واهتمامات السياسيين والمثقفين والفاعلين الجمعويين، حرص الجميع على اقتناء الكتب، وخاصة دواوين شعراء الأرض المحتلة، وفي مقدمتهم الراحل محمود دوريش، واستهلاك الأشرطة الغنائية التي تتغنى بجراح وعذابات الشعب الفلسطيني، وكانت المعارض التي تنظم في أكثر من مؤسسة بتعاون مع سفارات فلسطين تعرف رواجاً ملحوظاً وإقبالا شعبيًّا منقطع النظير، ما كان يدل على وجود حالة ثورية عامة، جسدت بالملموس عمق ارتباط الشارع العربي بنضال الشعب الفلسطيني من أجل انتزاع حقوقه التاريخية غير القابلة للمساومة والتسويف والابتزاز. وتم تعزيز هذا الحضور بإنشاء آليات من قبيل  الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وأيضاً من خلال تخصيص الجرائد الناطقة باسم عدد من الأحزاب لصفحة أسبوعية لمتابعة تطورات ومستجدات القضية الفلسطينية، لدرجة دفعت القيادي النقابي والوجه البارز آنذاك في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عمر بن جلون الذي تم اغتياله عام 1975 إلى تأسيس مجلة أسبوعية حملت اسم فلسطين، كرد فعل على نكسة حزيران–يونيو 1967. إضافة إلى التزام عدد من المجلات بالعربية والفرنسية بتخصيص ملفات  رصينة كانت تشمل كلَّ جوانب محنة الشعب الفلسطيني وصموده البطولي وتشبثه بأرضه وهويته.  

 

وقبل اندلاع الربيع العربي وهبوب نسائمه وعواصفه على أكثر من دولة عربية، كان السؤال الفلسطيني ما زال حاضراً بقوة في الوعي الشعبي والشارع العربيين، وكأولوية في أجندة القوى السياسية، ومن منا لا يتذكر المظاهرات الشعبية المليونية الحاشدة التي عرفتها عدة عواصم، خاصة في عز الحصار القاتل الذي ضربته قوات الاحتلال الإسرائيلي على الرئيس الشهيد ياسر عرفات عام 2002 في رام الله، وكأن الأمر كان شبيهاً بتنافس شريف ومشروع بين الشعوب العربية لتأكيد تعلقها المتين بالقضية الفلسطينية، خاصة في الأوقات الحرجة. لكن يبدو أن  تداعيات مايسمى الربيع العربي أفرزت وقائع جديدة على الأرض، بما في ذلك انهيار أنظمة وتفكك دول ونشوب حروب أهلية وإنتاج عشرات الآلاف من اللاجئين الذين غادروا منازلهم وشُرّدوا واضطروا اضطراراً لركوب الأهوال والمخاطر صوب أوروبا، توخيًّا لحياة كريمة، بعيداً عن الحروب وحمامات الدم والذبح الجماعي، علماً أنهم تعرضوا لمختلف أشكال الإذلال والاستفزاز.

 

وهذه مفارقة جديدة لم تخطر على بال الخبراء والمحللين والمؤرخين والقادة السياسيين، ولم يكن أحد يتوقع أنه سيأتي اليوم الذي ستتحول فيه شعوب عربية أخرى إلى طوابير من اللاجئين الهائمين في كل اتجاه، بعدما كان هذا قدر الشعب الفلسطيني في أعقاب استيلاء العصابات الصهيونية على 78 في المئة من الأراضي الفلسطينية عام 1948، لتواصل ابتلاع  واغتصاب ما تبقى من الأراضي عام 1967 .

 

من المؤكد أن الخريطة الجيو سياسية الجديدة في المنطقة العربية التي أفرزتها عدة عوامل، بما فيها الهبات الشعبية التي عصفت بعدد من أنظمة الاستبداد والفساد، أثرت إلى حد كبير على حجم حضور القضية الفلسطينية في الأجندة العربية الرسمية والوعي الشعبي والنخبوي، وبات واضحاً أنَّ أسئلة الديمقراطية والانتقالات السياسية والأمن والاستقرار وشروط العيش الكريم، احتلت الصدارة في اهتمامات المجتمعات العربية، وتحولت أولويات الداخل العربي إلى انشغالات مركزية على المستوى المحلي، ما شكَّل عاملاً موضوعيًّا في تراجع وانحسار حضور القضية الفلسطينية.

 

وحتى الدول التي تعرف نوعاً من الاستقرار والعافية الاقتصادية، لم تعد مهتمة بالشكل المطلوب، بما يتعرض له الشعب الفلسطيني ويهدد القدس من تهويد وطمس لهويتها.

 

ويمكن بدون أي مجازفة الجزم، بأنَّ أوضاع الشعب الفلسطيني ورغم كل المآسي والتراجيديات التي عاشها ومازال يعيشها، و رغم ألوان القمع والتعسف التي يتعرض لها يوميًّا، تشجع على اعتبار هذه الأوضاع أفضل، مقارنة ببعض المجتمعات العربية التي يقض مضاجعها شبح الحروب والاقتتال ومشاهد الدمار والخراب، خاصة في ظل انتعاش وصعود حركات إرهابية  ترتكز على خطاب ديني دموي مضاد للحياة والتعايش والتسامح.