المخاطر التي تواجه المنطقة من أقصى الجنوب في اليمن ومن العراق وسوريا في الشرق، كما في ليبيا ومصروتونس والمغرب ، ولا نستثني الوضع على الأرض الفلسطينية بالرغم من خصوصيتها بما تواجهه من احتلال عنصري واستيطاني متسلح بكل ألوان البطش وبالادعاءات التاريخية، وبالأساطير التي تستقطب جمهورا من المتعصبين الذين يتغذون على تلك الأساطير الدينية.
ما هو قاسم مشترك بين مناطق السلطة الفلسطينية وما بين تلك الأنظمة المذكورة هو بناء "الدولة العميقة "؛ أي الدولة التي يطغى عليها تحكم الأجهزة الأمنية على رقاب الشعب، تحت ذرائع الحفاظ على الأمن وعلى حساب الحقوق في الديمقراطية السياسية، والديمقراطية الاجتماعية، أو "باستخدام ديمقراطية 99% "مترافقة مع الإفقار للشعب، وادعاء تمثيله في ذات الوقت. ما جرى ويجري في عدد من الدول العربية لا ينفصل عن تلك الأسباب ...وهي التي فتحت أبواب الشر أمام الطامحين والطامعين في خيرات المنطقة الاقتصادية والاستراتيجية ...
في بلادنا –أو ما تبقى منها – وهي منقسمة ! فإن ملامح قيام الدولة العميقة تبدوا ظاهرة للعيان وملموسة سواء في الضفة أو في القطاع، ومؤسسي "الدولة العميقة" في المحافظات الشمالية يتسلحان بنفس أدوات رعاة "الدةلة العميقة "في المحافظات الجنوبية، وكلاهما يتسلحان بالمخاطر المفترضة من خصومهم أبناء الوطن الواحد " المنقسم ". كلاهما يمارسان القمع والاعتقال والتضييق على حياة المواطنين، أبناء جلدتهم، وكلاهما يستثمران غياب وتغييب الحياة الديمقراطية، وغياب الرقابة التشريعية والقضائية، وهذه الأساليب تمس أبناء فتح في القطاع، كما تمس أبناء حماس في الضفة الغربية، إضافة إلى التضييق على أبناء القوى المعارضة الأخرى.
ممارسة القمع موجودة وبدرجات متفاوتة، والدولة العميقة تتعمق يوما بعد الآخر، والغريب أن كلا النظامين يتسلحان بحاربة الانقساميين في الجهة الأخرى تحت مسميات مختلفة، وخصوصية القمع في إطار "الدولة العميقة "تتسم بشعار إما محاربة الانقسام، أو بالعمالة مع الاحتلال، والشعب وحده من يدفع الثمن ويحرم من ممارسة حقوقه في المطالبة بحياة ديمقراطية تقوم على انتخابات تشريعية ورئاسية في مواعيدها، وعلى إعادة تجديد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك بعدم تعطيل انتخابات المجالس المحلية في عموم الوطن وليس في جزء منه تحت ذرائع واهية.
سوف تزداد مخاطر الدولة العميقة يوما بعد آخر، وأخطرها ما مس بسلامة واستقلال السلطة القضائية والتدخلات المدانة وغير المقبولة من بعض الأجهزة الأمنية الفلسطينية؛ للتدخل في تعيين وإقالة أحد، وأهم أركان المنظومة القضائية في فلسطين؛ مما يبعثر آخر أمل في إصلاح النظام السياسي الفلسطيني بأركانه الثلاث؛ فإذا كانت السلطة التشريعية غائبة تماما، وإذا ما لحقت بها السلطة القضائية، وهما الركنان الأساسيان في أي نظام سياسي، فلن يتبقى في هذه الحال سوى سلطة تنفيذية ذات صلاحيات مشكوك بها، وأجهزة أمن تأتمر بأوامرها، وهناك مظاهر واسعة للقمع تمارس في كل محافظات الوطن المحتل والمنقسم من اعتقالات كيفية واستدعاءات تخالف كل منطومة الحقوق التي يضمنها القانون الأساسي الفلسطيني، والقوانين الإنسانية التي وقعت عليها السلطة، والتي شكلت مدخلا مقبولا للدخول في المؤسسات الدولية.
إعادة بناء أوضاعنا الداخلية، وأولها إنهاء الانقسام، واستعادة الحياة الديمقراطية الشاملة والكاملة، ووقف سياسة التغول على الحقوق العامة هي المدخل الحقيقي لصد الاعتداءات على الحقوق الفلسطينية من أي جهة كانت، وهي السد المنيع أمام محاولات القفز من فوق رؤوس الفلسطينيين للتطبيع مع إسرائيل تمهيدا لشطب الحقوق الفلسطينية.