المتابعة العربية للانتخابات الأمريكية تبدو لي أكثر المتابعات سذاجة وفضولاً، وبما أننا الآن في موسم مباريات دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، فإننا نتابع ما يجري في الولايات المتحدة بذات القدر من الشغف والاستمتاع بما يجري على الصعيد الرياضي في أوروبا.
ومثل عنصر التشويق في أي عمل درامي، فإن نسبة الخمسة بالمئة لمصلحة كلينتون، وفي استطلاع آخر نسبة الواحد بالمائة لمصلحة ترامب، كانت توفر لنا إثارة وحماسا، كما لو أن هيلاري مرشحتنا وكذلك ترامب.
وفي معالجاتنا لهذا الحدث الكوني الأبرز، يتجه محللونا إلى طريقة اليانصيب في وضع الرهان على هذه المرشحة أو ذلك المرشح، وكل محلل يسوق قرائن تكاد تكون دامغة تبرهن على صحة رهانه، فزادنا ذلك حيرة وضياعاً، ما جعلنا ننتظر بفارغ الصبر انطلاق الألعاب النارية والبالونات الملونة والموسيقى الصاخبة والرقصات العنيفة التي تنطلق من مقر الفائزة أو الفائز، ولولا أننا في حالة يرثى لها لاحتفلنا مع المحتفلين كما كنا نفعل حين يفوز ريال مدريد أو برشلونة وكأن الفريقين يمثلان رام الله أو غزة.
غدا نعرف من الذي سيجلس في المكتب البيضاوي ليقود العالم، ومن الذي سيذهب إلى بيته؛ ليقود التشهير بالفائز، وليتقاضى مئة ألف دولار عن كل حفل يشارك فيه، أو كل ندوة يتحدث فيها.
غير أننا نحن العرب نختلف عن غيرنا ممن يتابعون ذلك، فغيرنا يستثمر في المرشحين، ويضع أسهمه في رصيده ليقبض الثمن حين يفوز مرشحه.
كل دول العالم صاحبة الثروات والأصوات والأجندات لها دور في دفع المرشح للفوز .. أوروبا في قلب مطابخ الحملات، وإسرائيل .. حدث ولا حرج .. وروسيا.. تجند آلاف المواقع الإلكترونية لتنجح هذا وتسقط تلك.. وأمريكا اللاتينية تجند كل إمكاناتها في المعركة التي تجري وراء أسوارها، وفي قلب عواصمها ومجتمعاتها...أما نحن العرب فلا أحد في وارد الانخراط في هذه اللعبة مع أننا الأكثر احتياجا لها، فأمريكا حول كياناتنا وفي قلبها، والممول الأساسي لجيوشنا وحروبنا، والمانع الأقوى في أمر حسم قضايانا صغيرة كانت أم كبيرة، وإمكانيات العرب في أمريكا عددا وعدة هي الأكبر والأكثر على كل صعيد، ملايين الأصوات إذا ما وضعنا المسلمين في الاعتبار، وملايين الحسابات في البنوك، ومئات صفقات السلاح وغيرها من الأساسيات التي تغطى بالمليارات فأين هذا كله في الاستثمار الجدي والفعال على قمة العالم.
غدا نعرف من يدخل المكتب البيضاوي ليقود العالم ونحن منه، وسنحتفل ونحن مسمرون أمام الشاشات، وستطير برقيات التهاني بالفوز وأمنيات النجاح، وما إن ينفض المولد وإلى أن تأتي الانتخابات الأمريكية بعد أربع سنوات، سننصرف إلى فضولنا الرياضي والسينمائي والتلفزيوني، ولن نعدم من يقول أن كل بلاوينا قادمة من أمريكا.