الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قطار الحجاز../ بقلم: إبراهيم رحمة

أبجدية الضوء

2016-11-08 12:05:39 PM
قطار الحجاز../ بقلم: إبراهيم رحمة
ابراهيم رحمة

 

هذا العام، العام "ألفان وستة عشر"، يكون قد مضى بالتمام مائة من الأعوام على وأد قطار الحجاز في مهده.

 

قطار الحجاز، ربما يكون للعبارة وقع الأسطورية على القارئ، ربما تكون عبارة تتسم بالضبابية والغموض وهذا ما يكاد يكون حكرا على عناوين روايات أجاثا كريستي البوليسية، هي روايات للجريمة، تماما مثلما لهذه العبارة من ارتباط بالجريمة، على أكثر من صعيد، بدءا بالجريمة تجاه الذات (ما يسميه الناس انتحارا)، وانتهاء بالجريمة تجاه الآخر أيا كان هذا الآخر، إنسانا أو حيوانا أو نباتا أو حتى جمادا.

 

قطار الحجاز، كانت الفكرة وكان المشروع، وكان التنفيذ، في بضع سنين، تم ربط الشمال بالجنوب، شمال أرض العرب (مع احترام تحفظات بعضنا من شعوب المنطقة حول هذا التوصيف، فأنا أطلقت الوصف للوصول إلى ما نحن عليه اليوم من حال كعرب وغير عرب)، قلت في بضع سنين تم ربط شمال أرض العرب بجنوبها بخط سكة حديدية، وكانت أهداف المشروع جزلة، فهي دينية وسياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية. هي أهداف مهما تكن لا تصب إلى في بوتقة واحدة، هي النهوض بهذا الكائن العربي، النهوض به وصبغه بصبغة العلمية والعملية، والابتعاد به عن جدار اليأس الذي ظل يتكئ عليه طيلة قرون، جدار من طين لا يتكاثر حوله غير العفن الذي يجلب إليه مختلف الحشرات.

 

بعضهم قد يرى في قطار الحجاز محاولة لهيمنة الدولة العثمانية على العرب والسيطرة عليهم، غير أن هؤلاء مردود عليهم ما رأوا، فالذي يحارب الهيمنة ويحاول الخروج من السيطرة، لا يستقوي بعدوه التقليدي الفطري، (الإنجليز ومن حالفهم وسار في دربهم)، فإن كان العثمانيون ذوي غلبة وسيطرة ودكتاتورية فهم أرحم لا محالة من أولئك القادمين من وراء البحار، ومشروع كمشروع قطار الحجاز، كان من شأنه فتح آفاق الغد أمام جيل أو أجيال تلك الحقبة (بداية القرن العشرين) ولو تم في حينها فتح آفاقٍ لكان لأجيال اليوم وضع آخر، وعلينا أن نسجل أنه ليست المرة الأولى التي يهدر فيها الكائن العربي فرصة فتح آفاق.

 

ولأن الكائن العربي يبرهن في كل مرة من مراحل التاريخ على غباء متجذر فيه، راح يحطم هذا المشروع بكل عزيمة، ورفع في سبيل ذلك كل معاول الهدم، وكأن لسان حاله يقول إن العربي ضد كل محاولة نهضة أو علمنة (من العلم)، حتى وصل به الأمر إلى تنصيب جاسوس ضحك عليه بأنْ لبس لباسا عربيا وأطلق لحية وربما نطق ببعض كلمات عربية، لم أجد في التاريخ شرقا أو غربا، ولا حتى في دياجير الغابات الأمازونية ولا في غيرها من غابات، من يسلم مقاليد أمره لجاسوس ضحك عليه بمجرد ارتداء لباسه وتمظهر بمظهره.

 

الكائن العربي يبرهن في كل مرة على غباء متجذر فيه، حتى وصل به الأمر إلى عدم التفطن إلى نفس السيناريو الذي تم تنفيذه في بدايات القرن العشرين، سيناريو لورنس العرب، ووقع مرة أخرى في نفس السيناريو بحذافيره، وهذه المرة تحت إشراف برنار ليفي، فراح الكائن العربي مرة أخرى يتفنن في مناهج الهدم ويقنن نظريات استباحة الدم الواحد.

 

هذا الأمر يجعلنا على يقين من أن الكائن العربي هو من يدمر أدواته وكينونته عبر التاريخ، وبدورية زمنية مقدارها ثلاثة أجيال (فالجيل الثالث لا يدرك ما حدث لأوّله)، وأن العدو الفطري ليس إلا حاصد نتيجة، هو عدو عرف تركيبة هذا الكائن العقلية والمزاجية فراح يلعب عليها.

 

تمر السنوات، وتتآكل الأجيال، غير أن الثابت الأكيد هو غباء الكائن العربي، مهما حاول بعضهم من محللين أو دارسين أو حتى متعاطفين عاديين، من إيجاد تبريرات، يظل الكائن العربي مدعاة للسخرية، فهو الوحيد بين الأمم الذي يقرأ تاريخه عن عدوه، ويتكلم بلسان عدوه، ويقدم مقاليد أمره لأول متمظهر أمامه.

 

لماذا لم يسأل العربي نفسه ويقول: ماذا لو لم يتم تحطيم قطار الحجاز؟. ماذا كان سيحدث، كيف كانت ستكون الحياة في تلك المنطقة المجدبة من أرضه؟. يبدو أن الكائن العربي بعيد كل البعد عن التساؤل والمساءلة، وهذا لأنه منخرط في عملية جلد الذات وتحطيمها.

 

ليظل ذاك العدو الفطري القوة المهيمنة عليه، ويظل هو المضحك المبكي في العالمين.