الحدث- أصالة بواية
"نحط سلم طويل لحد الجدار، وندلي حبل على الشقة الثانية" قصص كثيرة تبدأ بالعبارة نفسها، لربما هي قصة دفع الثمن، عندما يدفعون ثمن الاحتلال وثمن لقمة العيش، ولكن الثمن الأكبر يُدفع لأصحاب العمل.
(م.ف) 26 عاما، تخرج من جامعة أبو ديس بالتحديد من فرع الآثار والتاريخ، كغيره من الشباب لم يحصل على وظيفة في مجال تخصصه، ولكنه حصل على وظيفة في مجال القفز عن الجدار، ومساقاته في هذا التخصص كثيرة أصعبها (كيف تكون أنت المعيل الوحيد لأسرتك؟)
في ساعات المساء تبدأ الحياة أو تنتهي، والمصير غير معروف فوق الجدار بعد صعود السلم، تبقى نصف الطريق مرتبطة بالنزول على حبل رفيع يتدلى منه الأمل، تكون باستقباله سيارة تأخذه إلى دير الأسد مكان عمله، بعد أن تلتهم من جيبه 800 شيكل تحت مسميات قلة الحيلة والاستسلام للواقع المرير، هناك في العمل ثلاجات تنتظر دخول (م.ف) إليها، لترتيب البضاعة ونقلها إلى أماكن ومستوطنات مختلفة، يبقى يعمل 17 ساعة يوميا من أجل 4800 شيكل في الشهر، استطاع الحصول عليهم بعد ما يقارب السنتين، فهو بدأ عمله براتب 3000 شيكل.
هم ليسوا أغناما:
هم لا يمتلكون تصاريح عمل ولكنهم يمتلكون الإنسانية، أصبح (م.ف) ينام في حظيرة أغنام وبرفقته العمال، بعدما ألقت الشرطة القبض عليهم في مكان عملهم دون أوراق رسمية، ذهب (م.ف) إلى غرفة التحقيق مدة 3 ساعات وغيره جلس في الزنزانة لوجود أسبقيات لديهم، واستكمل حديثه "الحمد لله انمسكت بس مره" هذا تفوقه الأول بالنسبة لديه.
وللشتاء قصص أخرى، عندما تصبح أيديهم قطعة جليد، فيفقدون الإحساس، وهم قبل ذلك فقدوا إحساس الأمان في الوطن، أما النصيب الآخر كان للوديان عندما تأتي دورية الشرطة فيهربون إليها وإلى البيوت المهجورة لتكون ملجأهم، بيوت مهجورة من كل شيء سوى الحشرات والكلاب والأشواك، ولكنها كانت المكان الوحيد لتأمل الحياة والنظر عميقا إلى وضعهم السيء، وضعٌ ملأ قلوبهم خوفا من "قطع الأرزاق"، فقد كان (م.ف) الأخ الأكبر في عائلته، لديه أربعة إخوة، وأربع أخوات، وأب لا يعمل، يراهم كل 3 شهور لأسباب عديدة، أهمها ذلك المبلغ الذي يدفعه للتهريب، ويبقى القليل لعائلته.
برجوازية العمل وحياة جديدة:
صاحب العمل غير مسؤول عن الإصابات التي تحدث، فهو لم يتحمل دفع التعويضات عندما وقع أحد العمال عن الجدار واضطر إلى وضع البلاتين في قدمهِ لمدة سنتين، وتعطلت حركته عن العمل، وهناك العديد من الحالات التي لا تصل المشفى إلا إذا استعصى علاجها؛ لأن ذلك يعرضهم للمخاطرة.
استمرت الشرطة تتفقد المكان باستمرار، عند ذلك عرض صاحب العمل على العمال ومنهم (م.ف) تصاريح غير رسمية، لكنهم رفضوا ذلك، واضطر (م.ف) لترك عمله والبحث عن حياة جديدة بدأت بقدوم ابنته نادين، بعد هذه المعاناة كان نصيب (م.ف) أن يلتقي بزوجته ذات الهوية الزرقاء، لتصغي اليوم إلى قصصه، وبدأت حياتهم بقدوم ابنتهم نادين ذات الثلاثة شهور، وعمل جديد يحفظ القليل من كرامة العامل، ويجلب الكثير من الراحة، واستطاع التخلص من الاستغلال البرجوازي لأصحاب العمل، فهو الآن يعمل في أحضان طبيعة وطن محتل بتصريح رسمي.
فقد الإنسانية: صراع بين الإنسانية ولقمة العيش
صدق محمود درويش عندما قال: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"، وهؤلاء العمال ما أضيق عيشهم لولا أبناؤهم، ويبقى السؤال الوحيد هل يجب أن تفقد إنسانيتك من أجل أبنائك؟