الحدث- رام الله
يصادف الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر لعام 2016، الذكرى السنوية الثانية عشر لاستشهاد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات " أبو عمار"، حيث توفي في عام 2004، عقب الحصار الإسرائيلي الذي فرض عليه في مقر المقاطعة في مدينة رام الله، وجاء هذا الحصار رداً على مواقفه الصلبه وتمسكه بالثوابت الوطنية.
توفي الرئيس عرفات، ولا تزال حيثيات وفاته غامضة، وما زالت التحقيقات التي تجريها اللجنة الوطنية المختصة قد البحث، رغم أنه قيل عدة مرات بأن " أبو عمار" لم يمت بحالة طبيعة، وإنما نتيجة مادة سمية، والسؤال مازال قائم لحتى هذه اللحظة، ولم يؤكد بعد سبب وفاته.
هو "محمد ياسر" عبد الرؤوف داود سليمان عرفات القدوة الحسيني، ولد في مدينة القدس وبتاريخ 4 آب/ أغسطس من عام 1929، وأكمل تعليمه في القاهرة حيث التحق بكلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول.
وخلال تواجده في مصر، شارك " أبو عمار" بصفته ضابط احتياطي في الجيس المصري ،في التصدي للعدوان الثلاثي الواقع الذي وقع على مصر عام 1956م.
ومنذ صباه، شارك الراحل " أبو عمار" في بعث الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال نشاطه في صفوف اتحاد طلبة فلسطين، والذي تسلم زمام رئاسته لاحقاً، بجانب مشاركته في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح" في الخمسينات، لاسيما وأنه أصبح ناطقاً رسمياً باسم الحركة عام 1968م.
وفي عام 1969 انتخب " أبو عمار" رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن شغل هذا المنصب أحمد الشقيري ويحي حمودة.
وفي فترة زمنية رسخت في عقولنا، وفي عام 1974م فقد ألقي " أبو عمار" جملته الشهيرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي تحمل رسالة الشعب الفلسطيني ومفادها"جئتكم حاملا بندقية الثائر بيد وغصن زيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"
أما في صيف 1982م، قاد " أبو عمار" المعركة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، بصفته قائداً عاماً للقيادة المشتركة لقوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية.
كما قاد " أبو عمار" معارك الصمود، خلال الحصار الذي فرضته القوات الإسرائيلية حول بيروت وعلى مدار 88 يوماً، و انتهت باتفاق دولي يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين من المدينة. وحين سأل الصحفيون ياسر عرفات لحظة خروجه عبر البحر إلى تونس على متن سفينة يونانية وعن محطته التالية، أجاب "أنا ذاهب إلى فلسطين"
وفي تونس، لقد حل ياسر عرفات والقيادة وكوادر منظمة التحرير ضيوفا في البلاد الخضراء، ومن تونس بدأ استكمال الخطوات باتجاه فلسطين، وفي تونس نجا " أبوعمار" وبأعجوبة من غارة إسرائيلية استهدفت منطقة " حمام الشط" بتونس، وكان هذا في الأول من تشرين الأول لعام 1985م.
ويذكر أن هذه الغارة، أدت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من الفلسطينيين والتونسيين.
عام 1987م هي عام الانفراج والنشاط كما كانت توصف، وبعد أن تحققت المصالحة بين القوى السياسية الفلسطينية المتخاصمة في جلسة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني، أخذ عرفات يقود حروباً على جبهات عدة؛ فكان يدعم الصمود الأسطوري لمخيمات الفلسطينيين في لبنان، ويوجه انتفاضة الحجارة التي اندلعت في فلسطين ضد الاحتلال عام 1987، ويخوض المعارك السياسية على المستوى الدولي من أجل تعزيز الاعتراف بقضية الفلسطينيين وعدالة تطلعاتهم.
وفي الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1988م، وعقب إعلان استقلال فلسطين في الجزائر، أطلق في الثالث عشر والرابع عشر من كانون الأول للعام ذاته في الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة السلام الفلسطينية لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، حيث انتقلت الجمعية العامة وقتها إلى جنيف بسبب رفض الولايات المتحدة منحه تأشيرة سفر إلى نيويورك، وأسست هذه المبادرة لقرار الإدارة الأميركية برئاسة رونالد ريغان في الـ16 من الشهر ذاته، والقاضي بالشروع في إجراء حوار مع منظمه التحرير الفلسطينية في تونس اعتبارا من 30 آذار 1989.
في 1993، وقّع ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين ، اتفاق إعلان المبادئ "أوسلو"، اتفاق جمع ما بين منظمة التحرير الفلسطينية، وحكومة إسرائيل في البيت الأبيض، في الثالث عشر من أيلول، حيث عاد ياسر عرفات بموجبه على رأس كادر منظمة التحرير إلى فلسطين، واضعا بذلك الخطوة الأولى في مسيرة تحقيق الحلم الفلسطيني في العودة والاستقلال.
وفي العشرين من كانون الثاني 1996 انتخب ياسر عرفات رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية في انتخابات عامة، وبدأت منذ ذلك الوقت مسيرة بناء أسس الدولة الفلسطينية.
وبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000م نتيجة التعنت الإسرائيلي وحرص ياسر عرفات على عدم التفريط بالحقوق الفلسطينية والمساس بثوابتها، اندلعت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول 2000، وحاصرت القوات الإسرائيلية عرفات في مقره، بذريعة اتهامه بقيادة الانتفاضة، واجتاحت عدة مدن في عملية سميت بـ "السور الواقي"، وأبقت الحصار مطبقا عليه في حيز ضيق يفتقر للشروط الدنيا للحياة الآدمية.
لقد رحل الشهيد ياسر عرفات قبل 12 سنة بجسده، لكنه ترك إرثا نضاليا ومنجزات وطنية لا زالت قائمة تنهل منها الأجيال لمواصلة الكفاح من أجل التحرر وبناء أسس الدولة الفلسطينية، فأبو عمار لم يكن مجرد مقاتل يحمل بندقية، وإنما أسس الدولة الفلسطينية ، بدءاً بدوائر منظمة التحرير التي عنيت بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والثقافية للشعب الفلسطيني، وانتهاءً بتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من أيار 1994على أرض الوطن بعد رحلة طويلة من النضال والكفاح المرير.