الحدث - أحمد بعلوشة
أحد الأبناء كان يطلب من أبيه أن يجلس معه لساعة، وكان والده يعتذر دوماً بسبب انشغاله قائلاً: "لا أستطيع أن أجلس معك لأنني سأخسر 1000 شيكل في هذه الساعة". الأمر الذي دعى الطفل إلى جمع مصروفه الشخصي يوماً بعد يوم وكل مبلغ بسيط يتقاضاه من ذويه، ومن ثم وضع النقود أمام والده، فتفاجأ الأب من القطع النقدية وتساءل من أين لك هذا؟ فقال طفله: "سأدفعها لك حتى أحصل على ساعة من وقتك".
كانت هذه واحدة من القصص الشعبية التي أثرت في نفوس كل من استمع إليها، والتي رواها مسؤول حملة أبي إقرأ لي بمؤسسة تامر للتعليم المجتمعي عبد السلام خداش لـ "الحدث"، مشيراً إلى أهمية العلاقة الاجتماعية وتعزيز التواصل بين الطفل وأبيه.
أبي إقرأ لي
من الثاني عشر، وحتى الرابع عشر من الشهر نوفمبر الجاري، تطلق مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي حملتها "أبي إقرأ لي" التي تأتي للعام السادس على التوالي ضمن أنشطة تشجيع عادة القراءة في المجتمع الفلسطيني. وتستهدف الحملة الآباء، ليس كفئة مستهدفة للأنشطة التي تنفذ فقط، وإنما لكونهم مكوناً أساسيًّ امن مكونات النسيج المجتمعي الفلسطيني، في إطار تعزيز المساحة التعلمية وتوفير بيئة اجتماعية جيدة للأطفال وأسرهم.
تأتي حملة أبي اقرأ لي استمراراً لحملة تشجيع القراءة في المجتمع الفلسطيني، والتي انطلقت في شهر نيسان/ أبريل من هذا العام، كان فيها التوق للحياة محوراً لفعالياتها في كل فلسطين.
تتنوع الأنشطة والفعاليات في الحملة لهذا العام، حيث سيجتمع الأبناء والبنات والآباء ليحكوا الحكايات، ويناقشوا الكتب، ويرسموا أحلامهم، وصولاً إلى تنفيذ مجموعة من الأنشطة التربوية والترفيهية المختلفة.
عبد السلام خداش أوضح تفاصيل الحملة لـ "الحدث": "هذه هي السنة السادسة التي ننفذ الحملة فيها، حيث وجدنا مؤخراً عزوفاً لدى الآباء في تفعيل وتشجيع القراءة، حتى على مستوى علاقاتهم بأبنائهم، وذلك مرتبط بالظروف المحيطة والحالة الاقتصادية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، إضافة إلى نظرة المجتمع لدور الأب المتلخص في العمل ومتابعة شؤون البيت، فارتأينا أن يكون هناك حملة تستهدف بشكل أساسي الآباء، في محاولة لأن يكون للقراءة والقصة واللعبة مدخل هام في إعادة تجسيد العلاقة بين الآباء والأبناء، وهي من الممكن أن تكون أنشطة متنوعة تهدف بمضمونها إلى إعادة بناء النسيج الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني".
وحول الهوَّة الحاصلة في العلاقة بين الآباء والأبناء، تابع خداش: "هناك إشكالية كبيرة في هذا الجانب، وخصوصاً بعد الانتشار الكبير لوسائل التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي؛ ما أدى إلى حدوث تشتت في الأسرة. لذلك نعتقد بوجود أهمية بالغة لإعادة ترتيب العلاقات العائلية، والأب هو جزء مهم من هذه العلاقة".
طبيعة الأنشطة المنفذة
وحول طبيعة الأنشطة التي يتم تنفيذها في الحملة، قال خداش: "نقوم باختيار يوم عطلة لتنفيذ الحملة، وندعوا الآباء إلى أنشطة تجمعهم مع أبنائهم، ونقوم بتنفيذ أنشطة تعلم نشط، ألعاب جماعية، قراءة بين الأب والإبن وتبادل للرسائل، في محاولة لكسر الجمود، إضافة إلى أنشطة أخرى في المدارس تتمثل في استضافة آباء يتم من خلالها الإشارة إلى العلاقة بين المدرسة والمجتمع، يقرأ الأب القصة في الصف بحضور طفله الذي سيشعر بالسعادة لوجود والده في الصف الذي يدرس فيه. أيضاً كأن يقوم مدير المدرسة في الاذاعة الصباحية برواية قصة للاطفال كونه أحد الآباء أيضاً، وفي بعض المناطق نقوم بدعوة المحافظ ولا يكون متواجد بشكله الرسمي، إنما كأب يقرأ قصة للأطفال".
وعن الشراكات المبذولة لإنجاح الحملة، أوضح خداش: "لدينا شركاء ننفذ الحملة بالتعاون معهم، مثل وزارة التربية والتعليم التي عممت كتاب للمدارس للمشاركة والمساهمة في إنجاح الأنشطة".
وتابع: "نحاول من خلال هذه الحملة وضع إضاءة على الفكرة، والجزء الأهم هو أنها شكل من أشكال التوعية لقضاء وقت ولو بسيط مع الأطفال، ولا يقتصر ذلك على قراءة القصة.. بل إيجاد مداخل أخرى لتوطيد العلاقة بين الآباء وأبنائهم".
وبالتواصل مع هاني البياري مسؤول الحملة في غزة، قال البياري لـ "الحدث": "المميز في هذا العام في غزة أنَّ لدينا شراكة مع وكالة الغوث ومساهمة واسعة في إنجاح الحملة، سوف نعمل بالتعاون مع 120 مدرسة، وسيكون من الممكن تنفيذ الأنشطة المشتركة بين الآباء وأبنائهم في المدرسة كمساحة تعلمية وترفيهية، مع وجود ورقة يعبر الطفل من خلالها عن حبه لأهله وتكون بمثابة مراسلات بين الطفل وأفراد عائلته، كدفتر للعائلة".
نشاطان مركزيان في غزة
الأول في مركز النور للتأهيل البصري، حيث سيكون هناك أنشطة قراءة وأنشطة حكواتي وموسيقى. ويتابع البياري: "أسمينا النشاط فوق السور، في إشارة إلى الخروج عن السور ومحاولة معرفة ما يجري حولنا في العالم".
أما النشاط المركزي الثاني فسيكون في منطقة المغراقة وسط القطاع، حيث سيذهب الأطفال والآباء إلى قطعة أرض لمزارع ويقومون بمساعدة المزارع برفقة مجموعة من الفنانين الذين سيقوموا بإعادة تدوير بعض المواد وعمل أشكال فنية في المزرعة، وأطلقت المؤسسة على النشاط اسم (صوت الأرض).
وحول أهمية القراءة كنهج وأسلوب، أوضح البياري: "نحن نؤمن بالكتاب كأداة تغيير ممكن من خلالها أن يتشارك الناس في أفكارهم وقيمهم، حيث نخاطب الأب كمكون أساسي للأسرة، ونيقن أنَّ القراءة والكتابة والثقافة هي أدواتنا للوصول إلى المجتمع المتعلم والآمن الذي نطمح له".
واختتم البياري: "تعزز الحملة من نقاط الالتقاء بين الآباء وأطفالهم، ويتم تنفيذها في غزة والضفة بشكل متوازي، ولدينا اتفاق في الموعد والرؤية والرسالة والأنشطة بين الضفة وغزة، وجدول واحد يتم تنفيذه في جميع محافظات الوطن، وهذا تأكيد على أننا نتشارك نفس القضية والأهداف، ونسير في نفس الطريق".
تسعى مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي منذ إطلاقها في العام 1989 إلى تشجيع عادة القراءة في المجتمع الفلسطيني، وصولاً إلى مجتمع تعلُّمي آمن وحر، بالتركيز على الحق في التعلم والهوية وحرية التعبير والوصول إلى المعرفة. تعمل المؤسسة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك من خلال مجموعة من البرامج والمشاريع التي تنفذها المؤسسة مع الفئات المجتمعية المختلفة.