يُمكن أن تُتابع الصوت والصورة ومؤاثرت المشهد ويتوهُ منك الحدث، وبإمكانك أن توظف بعض حواسك لتفكيك ما ترى وتسمع فتُصبح جزءا لا يتجزء من سياق المعالجة الفاعلة لا المفعول بها.. هنا تكمن معضلة المُتلقي في متابعته لوسائل الإعلام بكل أشكالها المرئية والمسموعة والمقروءة.
لو عدنا للخلف قليلاً سنجد من يؤكد: “أعطنى إعلاماً بلا ضمير أعطيك شعباً بلا وعي”، هذا ما قاله جوزيف جويلر وزير الإعلام النازي في عهد هتلر، وهو ذاته ما أشار إليه المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في قائمته المُوظفه للإعلام باتجاه السيطرة على الشعوب، ولا يختلف قيد أنملة عما تستخدمه وتوظفه قوى الشر من مهندسي الشرق الأوسط الجديد.
لم يتوقف الأمر أمام المشكلة الأساس التي تدور حول المُتلقي للوجبة الإعلامية بكل سُمها وسمومها، بل راح يجر معه مشاكل عدة أبرزها دور السياسي والكاتب والصحفي والمثقف العربي بكل مسمياته الذي إما أن يكون شريكاً في نصب الشرك للمُتلقي وتزييف تاريخه، وإما أن يكون في الجهة المقابلة نداً لكل هذه المحاولات المشوهة للحقائق في سياق نضاله المعرفي.. هذا فضلاً عن مشكلة الأطر والأجسام النقابية الصحافية التي لطالما ترفع لواء “ حرية الإعلام “ دون تحديد واضح لسقوف هذه الحرية التي من المفترض أن تكون حرية مسؤولة لا حرية مأزومة نفسياً وسياسياً.. فالحرية تُصبح عمياء زاغ بصرها حينما لا ترى أنها أكذوبة كُبرى إن هُزمت المهنية، بل وتُصبح صماء ذهب سمعها حينما لا تسمع منْ يُسئ توظيفها.
في الأونة الأخيرة نلحظ حالة الفلتان الإعلامي ورد الفعل السلطوي على حد سواء في بلادنا، ما يؤكد أن صون الحريات والمهنية الصحفية باتا على المحك، وهنا يأتي دور طرفي المعادلة الإعلامية “ النقابة ووزارة الإعلام”.
فإن ظن المسؤول أنه بتهجمه على المنتقدين قد رفع عن كاهله موضوعة النقد التي أدت إلى حالة القصف المتبادل، فإنه حتما أخطأ مكمن الخلل، فصب الزيت على النار عمدا متعمداً لا لشيء إلا ليحرق أصابعه، وذلك لا علاقة له لا بالحرية التي يدافع عنها وتعني مفهوم الاحترام المتبادل، ولا بأي من مفاهيم السياسة التي لا تسمح لأي كان أن يصنف المجتمع بين أسياد وعبيد، أصحاب قول وإمعات، فيما الكل يدرك أن السيد الوحيد في هذا الوطن هو الشعب.
وإن ظن أحد منا أن مهمة نقابة الصحافين مختزلة في المطالبة بالحقوق والدفاع عن الحريات، أو أن دور الجسم الإعلامي الحكومي مختصر في وضع القوانيين والتشريعات، فهو مخطئ لا مجال، إذ إن دورهما- فضلاً عن دور الصحفي والسياسي على حد سواء - يجب أن يكون دوراً وطنياً وأخلاقياً قبل أن يكون مهنياً أو قانونياً، وعليه يتأتى السؤال الأبرز متى نجد فعل هذه المؤسسات فعلاً ناجزاً بصرف النظر على الشعارات التي أظن أنها أول ما يقيد حركتهما في حضرة الكثير من تجلياتنا نحن السادة الإمعات، وكأني بتجليات الحلاج وهو يقول لكل طرف منا: إلى كَم أنتَ في بحرِ الخطايا، تُبارزُ من يراكَ ولا تراهُ ؟.