الحدث - أحمد بعلوشة
هي قصة لم تعد غريبة في ظل الانتهاك الصارخ لحرية الناس وتنقلهم من وإلى قطاع غزة، الأمر الذي يزيد من صعوبة الحياة ومآسيها، ويضع المواطنين في سجن حقيقي لا يختلف كثيراً عن سجون الأنظمة الاستبدادية الخانقة.
حالة مؤمن الخالدي هي واحدة من الحالات التي تتزايد يوماً بعد يوم كنتيجة حتمية لحالة الحصار الخانق التي يشهدها القطاع منذ عشرة أعوام، وتزداد فظاعتها مع منع الآلاف من المواطنين من الوصول إلى ذويهم المتواجدين في الضفة الغربية أو خارج الأراضي الفلسطينية.
مؤمن الخالدي -27 عاماً- الذي يسكن في غزة، لا يستطيع رؤية زوجته جميلة المقيمة في رام الله، وذلك بعد أن عاد إلى غزة حين توفي والده قبل عام ونصف، ولم يستطع العودة إلى رام الله بعدها حتى هذا اليوم.
يقول الخالدي لـ "الحدث" أنه لم يكن يتوقع مطلقاً أن يدخل غزة ولا يستطيع الخروج منها، في صورة تشبه الزج في زنزانة للتعذيب، ويشير إلى أنه تقدم بعدة طلبات للسفر من خلال الهيئة العامة للشؤون المدنية، إلا أنه لم يصدر تصريح واحد يسمح له بالخروج من غزة.
وبالحديث عن مشكلته، يصف الخالدي: "زوجتي وابني في رام الله، جئت إلى الضفة تعالجت وأجريت عملية في القلب واستقريت في الضفة وتزوجت وعشت حياتي مثل أي إنسان طبيعي. توفي والدي وعدت لغزة في 8/1/2015 مع العلم أنني وحين طلبت تصريح العودة في قلنديا وسألت الموظفة عن ما إذا كنت أستطيع العودة، قالت أنني أستطيع ذلك وبإمكاني تغيير عنواني".
ويتابع الخالدي: "بعد شهرين من عودتي إلى غزة، طالبت بالعودة إلى الضفة خاصة حين اتضح ان زوجتي لديها مرض السرطان، إلا أنني لم أحصل على تصريح حتى اليوم".
وحول محاولاته للسفر إلى الضفة، يضيف الخالدي: "توجهت للدوائر الحكومية جميعها.. الشؤون المدنية وحقوق الإنسان والصليب الأحمر، وأرفقت للتصريح تقارير طبية لزوجتي وصور الهوية وشهادة ميلاد إبني الذي أصبح عمره سنة وخمسة شهور ولم أره مطلقاً، كافة التصاريح تأتي تحت بنت (أرسل وينتظر الرد) ومن ضمنهم تصريح واحد غير موافق عليه".
يخشى مؤمن على زوجته المريضة من الوفاة، خاصة وأنها مريضة بمرض خطير، ويتابع الخالدي: "تواصلت مع السلطة بعد رفعي لمناشدة نصية للرئيس محمود عباس، اتصلوا بي من مكتب الرئاسة منذ خمسة شهور وقالوا انتظر أسبوعين، ولم يحدث شيء حتى الآن. فتواصلت معهم مجدداً وقالوا نحن آسفون لا نستطيع المساعدة، فاتصلت بمكتب الرئاسة، الذي كلف السيد حسين الشيخ بالمتابعة، وهو كلف غزة بالموضوع، وقالوا أنَّ الموضوع لدى الشؤون المدنية في غزة. والمشكلة أنني لم أعد أعرف أين أنا، وفي أي دوامة أعيش؟ من الذي يتعين عليه حل مشكلتي، وإلى أين يجب أن أتوجه؟".
"أنا محروم من رؤية زوجتي وابني، لأنني لا أملك علاقات ولا قدرة لديّ على التواصل مع أحد من المسؤولين أو القادرين على حل هذه المشلكة. الانتظار لشيء مجهول هو أمر يزيد من شعوري باللا جدوى، وبأنني في مشكلة حقيقية، وسجن كبير". هذا ما اختتم به الخالدي حديثه لـ "الحدث".
وبالتواصل مع الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية، قال السيد عماد كراكرة مدير العلاقات العامة والإعلام بمكتب وزير الشؤون المدنية إنَّ "هناك فرق بين شخص يريد عمل زيارة إلى الضفة أو إجراء معاملة علاج، ويجب على المواطن في هذه الحالة أن يقدم أوراقه التي يثبت من خلالها المرض، حيث يتم التعامل مع تنسيق العلاج بشكل مختلف". مضيفاً: "الحوالات الطبية مرتبطة بوزارة الصحة ويتم متابعتها من خلال منسق الصحة في الوزارة، ونحن نحاول قدر الإمكان أن نساعد، سيما وأنَّ هناك تعليمات واضحة من الوزير بمتابعة الحالات الإنسانية".
وبين كراكرة أنه من الممكن أن يكون هناك سبب لعدم إصدار التصريح، وقد يكون الجانب الإسرائيلي وضع عليه منعاً أمنيًّا، قائلاً:"هم يقومون بوضع منع أمني في أي وقت"، وأكد كراكرة لـ "الحدث" أنه سيقوم بمتابعة الموضوع: "نحن معنيون بالتواصل مع المواطن ومحاولة مساعدته في حل مشكلته".
أعداد كبيرة من التصاريح المقدمة من الجانب الفلسطيني إلى الجانب الإسرائيلي لا يتم الرد عليها، وهذا ما أكده محمد المقادمة مدير عام الإعلام في الشؤون المدنية الفلسطينية في لقاء سابق لـ "الحدث"، حيث أوضح أنَّ "حوالي 80 ألف طلب فلسطيني لم يتم الرد عليه من قبل الجانب الإسرائيلي منذ بداية العام 2016، وظلت هذه الطلبات معلقة دون رد".