كانت تعتقد أنها كبرت، وهم في ذات الوقت يمارسون معها لعبة "طاق طاقية". هي تعلم أن الأرقام لا تدور حول عام 87 فقد تكون نسيت أنها ولدت في ذاك اليوم، أو تناست خروجها من رحم والدتها، والجميع قال ولدت من طلقة في رأس جندي اسرائيلي، وبالرغم من فرحة الموقف لم تسمع الزغاريد حينها، فقط لأنها أنثى. ولم أذكر أن أمي احتفظت بحلويات كما فعلت عند قدوم أخي الأكبر. لم يكن هناك "رأس عبد".
كبرت وتعلمت وتفوقت، كانت الحياة بالنسبة لها أشبه برسائل وهمية ومخبأة ترسل لـ "صاحب الظل الطويل"، كانت تذكر التفاصيل الدقيقة بخط عريض ورائحة لا تذكر ملامحها، ولم أعلم لماذا كنت دائما أقيس المسافة بين كل سطر وآخر. هل كنت أنتظر الرد؟ ولم يجب بعد..
كان الجميع يوبخني لسذاجتي في تحليل الأمور، وقد كنت أنافسهم بذلك. كانت أشبه بميدان تتقاتل فيه النفوس، وكنت الخاسرة. ولكن كنت البطلة حين تعلمت إطلاق الرصاصة من "الكلاشنكوف"، صائب نصار هو معلمي الأول "الله يرحمك".
"الحلق" وبفتح الحاء واللام، هو ذاك المعدن المتلون، الجاذب للإناث، ولكن الغريب أنه لا يجذبني ولا أفضل ارتداءه، وكان هو علامة فارقة ما بيني وبين الذكور في المعسكر حينها. صائب كان يبحث عن هذا المعدن في أذني؛ ليعلم هل أنا صبي أم صبية كما كان يقول. وغالباً كنت "حسن صبي" وعسكري و"نمرود".
مرت السنوات، ولا مفر إلا لعيشها ولكن ليس كما اعتاد البعض، وقررت عدم ارتداء "الحلق" حتى أجد نفسي على "الكوشة" كما تقول صديقتي المصرية.
قبل أسبوع من وفاته، جمعتنا الصدفة وخطوات أقدامه التي لم أنساها. تقدم باتجاهي وأمعن النظر في تفاصيل وجهي، ولم أعد "حسن صبي" كما كان يقول لي، بل وجدني صبية ناضجة وقد خيبت توقعاته. وحينها سألني عن "الحلق". وقلت له " لم أضعه حتى أتذكرك".. وتوفي بعد أسبوع من اللقاء. ولم أضع الحلق في أذني لحتى هذه اللحظة.