الحدث- علاء صبيحات
في الساعة الواحدة والنصف، بعد منتصف الليل، هو ذات الكفاح متسمر، أمام النافذة يرتشف قهوة مرة، ليست أكثر مرارة من هذه الليلة، يهتز هاتفه معلنا بؤس صمته، هاتفه فريد ناقل العمال سائلا إياه نحن على الموعد؟ للوهلة الأولى كاد أن يقول لا! لكن سرعان ما تذكر البيت، المصروف، دراجة وديع، منزل دمى لوتس، عرس شقيقة زوجته، صرخ بغضب نعم، ظن فريد أن كفاح غاضب، لكنه لن يشعر بألم كفاح أبدا.
حمل حقيبته، التي هي أخف بكثير من همومه، متجها لمكان اللقاء المشؤوم، هاربا من وجه أطفاله حتى لا يضطر لإفاقتهم من نومهم، أو ربما حتى لا ترى زوجته دمعة هاربا من عينيه المكلومة، يا لسخرية القدر هناك فقط ترى الشخص يهرب من أكثر مكان يعشق التواجد فيه. سرعان ما وصلت حافلة النقل، هنا يتعمق إيمان كفاح بنظرية آينشتاين النسبية، وصلت حافلته بسرعة البرق لأنه يكرهها، ويكره الركوب فيها، ولا يحب السائق، ولا الطريق، فلو كان ينتظر حافلة رحلة مع أطفاله ما كانت لتقدم في مثل هذا السرعة، ركب حافلة النقل المخصصة لسبعة ركاب، لكنه كان العاشر. قادهم فريد نحو بيت لحم أولا، وليس هناك طريق، لقد اغلقوها، عاد بهم نحو قرى رام الله، مغلقة أيضا، جلسوا في مكان مهجور، حتى يتم التنسيق بين ناقلي الضفة وناقلي الداخل المحتل، في أكثر الأماكن برودة على وجه الأرض كان أشبه بالقطب الشمالي، إطلاقا ليست القدس أو رام الله.
تلك الجلسة هي روتين هذه الطلعات، لعلها فرصة أمام جمهور العمّال الحاضرة، أن يقرأ كل منهم صلاته، لعلها تكون الأخيرة، قبل الحبس، أو الوقوع والكسر، أو القتل في أسوأ الأحوال، وهو أمر ليس مبالغا فيه فقد صار القتل على جوانب الطرقات وأمام الحواجز وفي المعابر وأمام عيون البشر والكمرات، فما الذي سيمنع جنديا منتشيا، من حصد مئة روح، تتسلل فوق الحدود لأرض "دولته". تتصارع الأفكار، في رأس كل شخص متواجد في هذه الجلسة، بين متردد، وخائف، ولا مبال، وعصبيّ، وصاحب أول تجربة في مثل هذه "الرحل"، هذا تحديدا سبب آخر للشعور بالارتباك، هو غالبا كثير الاستفسارات، لايعلم أعليه أن يخاف؟ أم عليه أن يهدأ؟ هذا الشخص هو غالبا الخطر الأكبر، هو مايسبب الارتباك، الذي يؤدي لبلبلة في الموقف، لتصبح حالة من الهرج والمرج بين العمال والناقلين، ثم حتمية إبطاء عملية نقل العمال، يبدو أن طاقة الفرج فتحت، فقد وجدت طريق من منطقة القدس، هنا تناقض حبكي آخر، حيث أصبحت "طاقة الفرج"، أن تواجه بندقية قاتلك بأسرع وقت، بل وتستعجل ذلك، وتترقبه، وتعلم أنّ شبه الموت هو نصف الطريق، يتململ الحضور، نفضا للغبار، قياما للركوب، حتى يتم التوجه إلى منطقة العبور، التي هي مرحلة اللاعودة، واللاعبور، كل هذا وأكثر.
تابع الحلقة الأولى من الطريب إلى تل أبيب: صمت القبور(1)