لقد ولدت هذه الرواية صفحة صفحة على يديّ، كأنني القابلة التي استقبلت صرخة رامبير. فما يكاد المتوكل من الانتهاء من صفحات حتى يدفعها لي فنتناقش فيها في جلستنا المسائية إلى أن اكتمل هذا العمل الذي أعتبر نفسي شاهداً عليه ومعه.
تبدو رامبير رواية تنهض على الفانتازيا، بدءا من الحفل التنكري وانتهاءً بأسئلة المحقق التي يوجّهها للمتهم الرئيس في قتل أعضاء مجلس إدارة رامبير، لنجد أنفسنا أمام عدة شخصيات ابتكرتها كاتبة الأحداث خلال جلسات علاجها مما لحق بها من إدمان ومرض جراء اختطافها من جهة مجهولة، أمنية ربما!
على كل هذا الصخب الحاد، والسريالي تبني رامبير أحداثها، وتأخذ مدينة رامبير شكلها من كل المدن التي تستشري بها نظم الفساد والانحلال، ولا أعتقد أن ثمة رواية تكسر المحظور وتضع ما يصيب المدن من أمراض اجتماعية وسياسية واقتصادية تحت عين الشمس كما تفعل هذه الرواية. وفي ظني يمكن تلخيص الرواية على صعوبة ذلك بالعبارة التي افتتح بها الكاتب الرواية وهي عبارة : " لقد ضحكوا علينا " وهي ذاتها التي انتهت بها الرواية أيضا. بلغة أخرى، فإن حمولة الرواية الباذخة، والساخرة تكاد تنطق بهذه الجملة ما يدلل على أن الرواية تنتقد الواقع بشكل مسؤول وهي تؤكد مقولة الفيلسوف اليوناني كازانتازاكس : بأن الاعتراف بالخطيئة هو نصف التوبة.
وأجد أن الكاتب يردد مقولة أن الحضارات القوية هي التي تتجرأ على نقد نفسها لتعالج الخلل وتبقى معافاة. ولا شك أيضا في أن ثقافة الكاتب وتجربته الطويلة في كتابة أشكال الأدب، وبما لديه من حمولة لغوية عالية مكّنته في تقديم نص متكامل شكلا ومضمونا، ولم يطغَ فيه المضمون على الفني أو العكس. أنا أرى في هذه الرواية، وهي العمل الروائي الثاني للمتوكل طه بعد روايته الأولى نساء أويا، علامة فارقة في الرواية الفلسطينية والعربية، وأجد فيها تفرّدا من حيث عديد الأشكال الأدبية التي اندمجت سويّة لتشكّل هذا العمل، إضافة إلى أنها ترفع سقف المحظور الذي تتصدّى له وتعرّيه، فلا أجد محظورا إلا وبذلته الرواية تحت عين الشمس فهل يحتمل سكّان رامبير هذه المكاشفة ؟
رامبير مدينة متخيلة لا تتشابه مع مدينة محددة بعينها وهي في الوقت ذاته، تعتبر رسما احترافياً لكل تلك الأنظمة التي تعتنق الفساد والقمع وتنهض على أحلام الناس البسطاء وقوتهم. ولذا نجدهم في رامبير قد ضحكوا علينا!