يتشكل الوعي بالمجتمعات متزاماً مع التطور الحضاري و الثقافي و الفكري وهنا يكون دور العائلة و المجتمع و الدولة ، و مع تطور المجتمعات يتطور الوعي و الثقافة و السلوك ، هذه السمة العامة لكافة المجتمعات على هذه الارض .
و لكن على ما يبدو أن للمجتمعات العربية و منها الفلسطينية طبعاً خصوصيه ليس لها مثيل ، لأن التراجع الحاصل في السلوك و الأخلاق و الوعي يسير بعكس التطور الأيجابي المعهود عند باقي المجتمعات .
لن نخوض في عموميات الوضع العربي المحيط بنا مثلاً من التعصب و الأنغلاق و التخلف و الجهل الا اننا دوماً كنا نعتبر انفسنا و كان يصدُقنا في ذلك العديد من شعوب الأرض اننا الفلسطينين متميزين بعلمنا و ثقافتنا و وعينا ، و لكن مع الأيام يتأكد زيف هذا الوهم و نكتشف اننا كباقي اخواننا العرب أقرب الى الحضيض في فكرنا و ثقافتنا و وعينا، لنختصر أود الأشارة الى قضيتين مركزيتين في هذا الموضوع .
أولاً :- موضوع الهيجان و الغضب على مشروع قانون سيقدم للكنيسيت الأسرائيلي يمنع رفع الآذان بالقدس في ساعات الليل علماً بأن هذا المشروع هو جزء من ثلاثة مشاريع و قوانين قدمت سوياً الأول يتعلق بشرعنة المستوطنات بالضفة الغربية و ضمها الى اسرائيل .
ثانياً :- مشروع ضم ما يسمى بأملاك الغائبين أي أملاك اللاجئين الذين هجّروا من اراضيهم عام 1948م ، لتصبح جزءاً رسمياً من أملاك دولة اسرائيل ، و لكن للأسف لم نهتم أو حتى لم يسمع غالبيتنا بالمشروعين الأثنين و سقطنا بالفخ الاسرائيلي كالعادة و اهتممنا فقط بالمشروع الأول .
و مرة أخرى تصبح المظاهر أهم من الوقائع و الرواية الوطنية التاريخية . منذ نشأة الصهيونية نتعامل بردة الفعل و دائماً ننجر الى ملعبهم و هذا ما يريدون ، يُريدونهُ صراعاً دينياً و نساعدهم في ذلك ، لأن روايتهم و مزاعمهم و اساطيرهم تلقى آذاناً و تأييداً من جزء كبير من أهل الأرض ، لأن روايتهم الدينية كما ورد في التوراة غير مطعون بها بالديانتين المسيحية و الأسلامية و خاصة فيما يتعلق بالوعد الألهي لهم في هذه الأرض و تفضيلهم على العالمين .
و لهذا السبب للديانات الثلاثه تاريخ في هذه الأرض و الجميع مر من القدس ، و لهُ فيها تاريخ و مكانة و وعود ، ولكن الحقيقة الساطعه أن على هذه الأرض عاش شعب اسمهُ الشعب الفلسطيني طُرد و شُرد من ارضهِ و يعاني من احتلال و اضطهاد لم يسبق لهُ مثيل ، و هذا هو جوهر الصراع ، لذلك كان من الوعي اثارة الضجة على مجمل مشاريع القوانين العنصرية و ليس فقط الأهتمام بالعواطف دون الحقائق .
ثالثاً :- مشاعر الفرح و التهليل عند جزء كبير من شعبنا بالحرائق التي التهمت الغابات و الأشجار بالقدس و الكرمل ، و كأن ذلك عقاب من رب العالمين على منع الآذان ، أليس ذلك شكل من أشكال العنصرية و التخلف ، أولاً من يفرح بحرق الأرض و الشجر حتى لو كانت في أرض محتلة ، و ثانياً اذا كان ذلك عقاب من الله فلماذا نحن معاقبين معهم بالقحط و قلة نزول المطر ، و لماذا الله يعاقب الفقراء و المُعدمين في السودان و النيبال و بعض دول امريكا اللاتينية الفقيرة عندما تضربهم الزلازل و الفياضانات و التسونامي فهل هذا أيضاً عقاب من الله ؟؟ عقاب على فقرهم و بؤسهم و اضطهادهم .
اذاً بقينا على هذا الجهل في وعينا و فكرنا و لانستعمل عقولنا التي وهبها الله لنا من أجل محاكاة العلم و التطور ستستمر اسرائيل في البناء و التطور و سنتغول أكثر من الجهل و التخلف و لن تقوم لنا قيامة حتى يوم الدين لا سمح الله .