الجمعة  20 أيلول 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

دعم إيران الاقتصادي للعواصم العربية الموالية لها سيكون محدودا

2014-10-10 07:50:56 AM
دعم إيران الاقتصادي للعواصم العربية الموالية لها سيكون محدودا
صورة ارشيفية
الحدث- الأناضول

كان الحديث من قبل محصورًا في كون إيران قوة إقليمية، تبحث عن تثبيت دورها الإقليمي، ولذلك حرصت منذ انتهاء حربها مع العراق في نهاية ثمانينيات القرن العشرين، على عدم التورط في حروب خاضتها دول المنطقة، اللهم إلا سيطرتها العسكرية على جزر الإمارات الثلاث، التي لم تحظ بتوظيف إقليمي أو دولي كباقي قضايا المنطقة.
 
 ومازال الغريب في الأمر والمثير للعديد من التساؤلات التي لا تجد إجابة، أن دولة الإمارات العربية هي الشريك التجاري العالمي الثاني لإيران، والشريك التجاري الأول عربيًا لإيران، رغم عدم حل قضية الجزر الإماراتية المحتلة.
 
والملاحظ أن الحديث الآن يدور حول مشروع إيراني للمنطقة، وليس مجرد قوة إقليمية تبحث عن دور، فحسب تصريحات أحد المسئولين الإيرانيين، فإن هناك أربع عواصم عربية تدور في فلك إيران، بعد تنامي دور الحوثيين الموالين لإيران في اليمن.
 
وبذلك تنضم اليمن إلي دول سوريا، والعراق، ولبنان، للدول الموالية لإيران لكن الدعم الإيراني بافتراض حدوثه وقصره على الجوانب الاقتصادية فقط، سيكون محدود الأثر.
 
وسواء كانت القراءة الصحيحة للدور الإيراني بالمنطقة هو كونها قوة إقليمية، أو سعيها لوجود مشروع مسيطر على توجهات المنطقة ومقدراتها، فإن لذلك بلا شك ثمن تدفعه إيران على مختلف الأصعدة، ومن بينها الصعيد الاقتصادي. والسؤال الآن هو ما هي حدود الدعم الإيراني للدول الأربع الموالية لها، وبخاصة أنها تعاني جميعًا من مشكلات اقتصادية حادة.
إيران كدولة نفطية لا تملك ترف توزيع ثروتها النفطية على العواصم الموالية لها لاعتبارات عدة، من بينها مشكلاتها الداخلية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، فالبطالة في الفترة من 2001 – 2014، بلغت في المتوسط 11.7% هناك، والتضخم يبلغ 14.3 % في المتوسط خلال 2014، فضلًا عن أن المواطن الإيراني يريد أن يجد أثرًا في متسوى معيشته، للتقدم الملموس في رفع العقوبات الاقتصادية من قبل أمريكا وأوروبا.
 
فضلًا عن أن الدعم الإيراني بافتراض حدوثه وقصره على الجوانب الاقتصادية فقط، سيكون محدود الأثر، نظرًا للكثافة السكانية للدول العربية الأربع، والتي تصل لنحو 85 مليون نسمه، أي ما يزيد عن عدد سكان إيران بحوالي 11 مليون نسمه.  
 
امكانيات محدودة
 
رغم أن الناتج المحلي الإيراني بلغ 502 مليار دولار في عام 2012، إلا أنه تراجع في عام 2013 إلى 368 مليار دولار، ولا يتوقع في ظل تراجع أسعار النفط خلال الشهور الماضية لحدود 90 دولارا للبرميل، أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لإيران معدلات عام 2012.
 
لذلك تسعي إيران كما أُعلن مؤخرًا إلى تحريك طاقتها الإنتاجية إلى موارد أخرى غير النفط، فتم الإعلان عن زيادة إنتاجها من الحديد الخام بغرض التصدير، وكذلك الوفاء باحتياجات السوق المحلي، فعمدت إيران إلى دعوة المستثمرين الأجانب للاستثمار في قطاع التعدين.
 
 وتشير الاحصاءات إلى زيادة حصة الصادرات الإيرانية من الحديد الخام بواقع 1.2 مليون طن، خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2014، بقيمة قدرها 6.4 مليار دولار، مقابل 1.3 مليون طن في المتوسط خلال عامي 2011 و2012. وتستهدف إيران الوصول بصادراتها من الحديد لنحو 10 مليون طن في عام 2025.
 
وعلى الرغم من حالة التفاؤل بشأن إلغاء العقوبات الاقتصادية من قبل أمريكا وأوروبا تجاه إيران، إلا أن كل شئ يبقى رهن نجاح أو فشل المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني. وتقدر خسائر إيران الشهرية الخاصة بالصادرات النفطية، بسبب العقوبات الاقتصادية بنحو 4 مليارات دولار.
 
وعلى الرغم من انتهاج إيران سياسة النفط الرخيص خلال السنوات الماضية للخروج من الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية، إلا أنها تحاول أن تدير هذا الملف بأكبر مكاسب ممكنة في ظل الأزمة الروسية مع أمريكا وأوروبا بسبب الملف الأوكراني، إذ صرح أحد المسئولين الإيرانيين، بأن بلاده لا يمكن أن تكون بديل للغاز الروسي في أوروبا، فهي تتصرف في إطار توظيف الغاز والنفط كورقة ضغط، ولا تظهر للغرب وأمريكا أنها تتلهف لتصدير منتجاتها النفطية لهما نظير العوائد النفطية المنتظرة.
 
في ظل هذه الظروف المحدودة للعوائد والفرص الإيرانية يبقى الدعم الإيراني محدود تجاه اقتصاديات الدول العربية الموالية لها وهي (سورية، العراق، لبنان، اليمن) ففي ظل معدلات البطالة العالية التي أشرنا إليها، وعدد السكان الذي يصل إلى 76 مليون نسمه، من الصعوبة بمكان أن تكون إيران مثلًا أحد أسواق العمل التي يمكن أن تستقدم العاطلين من هذه الدول.
 
وفي الوقت الذي تستهدف فيه إيران في الوقت الحالي، جذب رؤوس الأموال للعمل في مجالات النفط والتعدين، فمن الصعوبة بمكان أن توجه استثماراتها المباشرة لهذه الدول، والتي تحتاج بشدة لمثل هذا النوع من الاستثمارات، وإذا استطاعت إيران أن تقوم بهذا الأمر فسيكون في إطار محدود ولفترة زمنية محدودة كذلك، ولا يُضمن استمرارية تدفق استثمارات إيرانية لهذه الدول، بالشكل الذي ينتشلها من أزمتها التمويلية والاقتصادية.
 
فالشئ المتوقع حدوثه إذا ما تمت خطة إيران كما هو مرسوم لها في إطار تطوير إنتاجها من الحديد الخام، فقد تكون هذه الدول أحد الأسواق المهمة للحديد الإيراني، إذا ما شهدت اقتصاديات هذه البلدان العربية حالة من الاستقرار، واتجهت إلى عمليات إعادة الإعمار.
 
وقد يضاف للحديد منتج آخر وهو الأسمنت، حيث يعتبر الأسمنت أحد أهم الصادرات الإيرانية بعد النفط والحديد، نظرًا لكونه من الصناعات كثيفة استخام الطاقة، والمتوفرة في إيران، وهو كذلك منتج ضروري في عمليات إعادة الإعمار المنتظرة في الدول العربية الموالية لإيران.
 
دعم نوعي
 
 لا تمثل إيران للدول العربية الأربع (سورية، العراق، لبنان، اليمن) شريكًا تجاريًا مهمًا، حتى في مرتبة الشركاء التجاريين العشر الأول، ولا تحتل هذه الدول كذلك الأهمية ذاتها لإيران، فكلا الطرفين تميل تجارته الخارجية بشكل كبير إلى التعامل مع الاتحاد الأوروبي.
 
ولكن الملاحظ من صور الدعم الإيراني للفصائل المؤيده لها داخل الدول العربية الأربع، والتي ساعدت على وقوع هذه الدول في براثن المشروع الإيراني، الدعم المالي الخفي، من حيث القيمة، لا من حيث الوجود، فمعلوم أن إيران تدعم حزب الله بالمال والسلاح، وكذلك الأمر في سوريا مع نظام الأسد، وكان لإيران الدور الأكبر لإدارة المشهد سياسيًا واقتصاديًا في العراق، ومؤخرًا في اليمن، حيث تمد إيران الحوثيين بالدعم المالي وكذلك الدعم السياسي.
 
وهذا الأمر هو ما ستحرص عليه إيران خلال الفترة القادمة، بأن يستمر دعمها على الصعيد العسكري والسياسي لممثليها بهذه الدول، دون التحول إلى دعم اقتصادي حقيقي، يمكن أن يقيل هذه الدول من عثرتها الاقتصادية، لا على صعيد الاستثمار، ولا على صعيد استقبال العمال من هذه الدول، ولا إمكانيات الوفاء باحتياجات هذه الدول من العدد والآلات ومستلزمات الإنتاج.
 
وما يؤكد على أن الدعم الإيراني للدول العربية سيكون دعمًا نوعيًا، ما نشر مؤخرًا على لسان الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، بشأن قرار إيراني بتقديم منحة عسكرية للجيش اللبناني، وبغض النظر عن الجوانب السياسية لهذا التصريح وتداعياته، فإن الدعم الإيراني في باقي الدول سيكون على هذا المنوال، فالجيش اللبناني الذي تدعمه السعودية وأمريكا، تدعمه إيران أيضًا، أما البطالة وباقي مشكلات الاقتصاد اللبناني المزمنة فلا تستحق دعمًا إيرانيًا.
 
والملاحظ على الدعم المادي الإيراني في المنطقة، أنه يعتمد على دعم الأفراد أو بعض الكيانات الثقافية التي تعمل في إطار المشروع الإيراني، باستثناء حالة حزب الله، الذي يحظى بدعم إيراني كامل، ومع ذلك لا تتوفر معلومات دقيقة حول قيمة هذا الدعم.
 
ومما سيساعد على ضعف أداء الدعم الاقتصادي الإيراني للدول العربية الموالية لها، انخفاض أسعار النفط من جهة، واستمرار العقوبات الاقتصادية من جهة أخرى، وتردي الأوضاع الاقتصادية لهذه الدول يومًا بعد يوم، بسبب حالة النزاعات المسلحة، وعدم الاستقرار السياسي والأمني بهذه الدول، مما يجعل أية مساعدات أو مساهمات اقتصادية محدودة الأثر.
 

كما أن الظرف الذي تعيشه المنطقة وإيران في القلب منه، لمواجهة تنظيم "داعش"، سيفرض على إيران بلا شك ثمنًا اقتصاديًا، فمن غير المتوقع أن تقبل أمريكا والغرب ألا تساهم إيران في تكلفة فاتورة مواجهة "داعش"، وهي أحد المستفيدين من محاربته، لعودة الاستقرار لدولتين حليفتين لها وهما سوريا والعراق.