الحدث - ريم أبو لبن
قد أزيلت التسميات المنقوشة على حجر المسجد وبشكل متتالي من خلال استخدام الفأس، وبالمقابل جدران المسجد الخارجية المطلة من الناحية الشرقية على حسبة مدينة رام الله، تعبت من كثرة الأسماء والصفات التي تكبدت عناءها حتى هذه اللحظة، وهنا ضاعت تسمية المسجد ما بين أوراق رسمية تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وما بين اعتقادات وأيديولوجيات حزبية ورموز سياسية ترفض بعض فئات المجتمع نسيانها، وقد تلامس الأخيرة من خاض أول معركة في فلسطين خلال أحداث النكبة عام 1948م، وقد اتسم المسجد باسمه وبرائحته عقب رحيله.
فهل سمي المسجد بـ جمال عبد الناصر، أم مسجد قطب، أم مسجد البيرة الكبير؟
"رسميا هو مسجد جمال عبد الناصر"
"حاليا هو يسمى مسجد جمال عبد الناصر". هذه هي التسمية الأخيرة للمسجد حسب ما أكده لـ " الحدث" مدير أوقاف محافظة رام الله والبيرة وفيق علاوي.
وقد أنشئ المسجد عام 1962 على أراضي مدينة البيرة، ليستقطب المصلين من مختلف المحافظات، فقد اكتسب مكانة تاريخية منذ تلك الفترة، لا سيما وأنه يشكل الوجهة الأساسية لمعظم سكان المنطقة، وهو مرصد جغرافي لالتقاء الأصدقاء معاً، وحتى من يحل ضيفاً على المدينة.
قال علاوي: "حتى الآن سكان المنطقة يطلقون عليه عدة تسميات، وكل حسب رغبته، ففي الانتفاضة الأولى عام 1987 سموه سيد قطب، نسبة إلى المنظر الإسلامي والكاتب والأديب المصري قطب، ومن ثم سموه مسجد الشهداء لكونه منبراً رئيسيًّا لتشييع الشهداء، ولم يتوقف الأمر هنا، فإنَّ أهالي مدينة البيرة سموه نسبة إليهم مسجد البيرة الكبير".
وفي الحديث عن التسمية النهائية للمسجد وكما أطلق عليه رسمياً، ووفق وزارة الأوقاف والشؤون الدينية قال علاوي: "وزارة الأوقاف عام 2013، قامت بإزالة معالم اليافطات الحجرية المنقوشة على الجدران الخارجية للمسجد، والتي تدلل على عدة تسميات للمسجد، وبذلك أمر وزير الأوقاف آنذاك محمود الهباش، بإزالة جميع الأسماء واعتماد جمال عبد الناصر اسما للمسجد، لاعتماده رمزاً مقرباً للشعب الفلسطيني وللقضية".
وبالمقابل أشار أمام مسجد جمال عبد الناصر السابق صالح معطان -والذي كان اماما للمسجد في الفترة التي تتراوح ما بين (1992- 2012)- إلى أنَّ المسجد رسميًّا يسمى مسجد البيرة الكبير، وليس مسجد جمال عبد الناصر كما ذكر سابقاً.
"هو مسجد البيرة الكبير"
وقال معطان في اتصال هاتفي مع "الحدث": "عند نشأته كان يسمى بمسجد البيرة الجديد، وكان عبارة عن مسجد صغير، وبربع المساحة الموجودة حالياً، وعندما توفي الرئيس المصري الثاني جمال عبد الناصر في عام 1970م، أي قبل الانتفاضة الأولى، سمي المسجد باسمه تيمنا بعبد الناصر، ونقش اسمه على جدران المسجد بجانب سنة المنشأ عام 1962م، وبعد ذلك سمي بسيد قطب، وهو من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الحركات الإسلامية، وأخيراً تم تسميته بمسجد البيرة الكبير حتى هذه اللحظة".
"حركة حماس تطلق عليه اسم مسجد سيد قطب، وبعد ذلك أطلق عليه اسم مسجد الشهداء، أما كبار السن ومن أهالي المنطقة يطلقون عليه مسجد جمال عبد الناصر". هذا ما أكده إمام المسجد الحالي أسامة الطيبي لـ "الحدث".
وأضاف الطيبي: "ما شاهدته هو قيام وزارة الأوقاف وبقيادة محمود الهباش، بتعليق يافطة من الحجر على المسجد، وقد نقش عليها اسم جمال عبد الناصر، وقد وضعت عند البوابة الشرقية للمسجد، وعندما تم تحديث البناء الجديد كما هو الآن، تم تسمية المسجد بمسجد البيرة الكبير، ومن ثم تم إزالة اليافطة التي كتب عليها هذا الاسم، وتم وضع ورقة في القاعة الداخلية للمسجد وكتب عليها مسجد جمال عبد الناصر".
وفي الحديث عن تعدد التسميات، قال الطيبي: "هناك بعض من المخربين قاموا باستخدام الرشاش الأخضر لاخفاء اسم جمال عبد الناصر الموضوع على اليافطة الخارجية، فهناك من يعارض هذا الاسم حتى اللحظة".
وذكر أحد أهالي مدينة البيرة (رفض ذكر اسمه): "هذا المسجد معروف ومنذ القدم باسم مسجد البيرة الكبير، ولن يتغير، وهو جزء من مدينة البيرة، وهو معروف لدى الجميع بهذا الاسم، فمن أراد لقاء أحد أًصدقائه يدله وبشكل تلقائي على مسجد البيرة الكبير، وليس مسجد عبد الناصر".
"هو مسجد سيد قطب"
"لن أقبل بتسميته مسجد جمال عبد الناصر، واسميه سيد قطب"، هذا ما قاله المواطن علاء غفري لـ "الحدث"، وقد عزا سبب هذه التسمية إلى قيام ثاني رئيس لجمهورية مصر العربية جمال عبد الناصر بإعدام سيد قطب وهو عضو سابق في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، والذي عرف بصرامة وحدية أفكاره التي برزت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
وأضاف غفري: "(وقد أعدم سيد قطب بعدما قال إنَّ إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفاً واحداً يقر به حكم طاغية)". وحينها رفض سيد قطب الاعتذار لعبد الناصر عن أفكاره وكتاباته، وقال: "لن أعتذر عن العمل مع الله"، ونفذ به الإعدام في 29 أغسطس من عام 1966.
وفي ذات السياق قال غفري: "لماذا يتم تسمية المسجد باسم من أمر بإعدام قطب؟ المساجد للعبادة، وهذا الرجل قد اقترف الخطأ".
وقال غفري: "أقاربي ومن هم من كبار السن، اعتادوا على تسمية المسجد باسم جمال عبد الناصر، لاعتباره رمزاً لهم، أما أنا فقد سميته سيد قطب فقط، وهذا موروث فكري قد اكتسبته منذ دراستي إدارة الأعمال في جامعة بيرزيت".
إذاً.. وحسب وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، تم الاعتماد رسمياً وبتسمية المسجد بمسجد جمال عبد الناصر، وفي المقابل فقد أكد بعض المصلين وأهالي المدينة وحتى الأئمة في حديث مع "الحدث"، أنه تم اعتماد اسم مسجد البيرة الكبير كاسم للمسجد، تجنباً للاختلافات، والمشادات التي قد تحدث بين من ينتمي لحركة حماس أو فتح، في حين تسمي الأخيرة المسجد باسم مسجد الشهداء حسب ما ذكر أحد المواطنين ورفض ذكر اسمه وهو مؤيد لحركة فتح. وقال: "لن أسمي هذا المسجد سوى مسجد الشهداء، فقد شيع منه العديد من الشهداء".
وإذا سمي بمسجد البيرة الكبير كما يقال، لماذا لا توجد لافتة حتى هذه اللحظة تدلل على ذلك، وبالمقابل جميع اللوائح الحجرية، قامت وزارة الأوقاف حسبما ذكرت بالتخلص من معالمها، والحفاظ على اسم جمال عبد الناصر.
سكان المنطقة ماذا يقولون؟
قال بائع التمر أمجد حبيب وهو من سكان مدينة رام الله، وهو يتناول حبة التمر: "الاسم الأصلي هو مسجد جمال عبد الناصر، ومن ثم حدثت بعض المشادات والتي لا أعلم سببها، وتغير من عبد الناصر إلى مسجد البيرة الكبير، ويبدو أنَّ سبب التغير هو إرضاء فقط لأهالي مدينة البيرة".
وأضاف: "وبعد مدة تم إخفاء اسم مسجد البيرة الكبيرة، والعودة من جديد لوضع اسم جمال عبد الناصر بعد أن تم توسعته ووضع الإضافات الموجودة حاليا".
أما المواطن حاتم عبد الواحد وهو من سكان المنطقة أيضاً ومنذ عشرين عاما قال لـ "الحدث": "أنا أتواجد لبيع الأحذية أمام الجامع منذ عشرين عاماً، وطوال هذه الفترة لم يلقب سوى مسجد جمال عبد الناصر، ولكن ما حدث وبعد الانتفاضة الثانية عام 1987، تعددت التسميات، حركة حماس سمته تارة مسجد البيرة الكبير، وحركة فتح لقبته بمسجد الشهداء، وآثار التسميات تلك، ما زالت جدران المسجد محتفظة بها حتى اللحظة".
كيف كان قديما؟
قيل بأنَّ من تبرع بمسجد جمال عبد الناصر في الفترة التي سبقت الإنشاء عام 1962 هي سيدة لم يعرف اسمها، ولا يعلمه أهالي مدينة رام الله حسبما ذكر للحدث أبو الوهاب (60 عاماً)، وهو صاحب محال تجاري في مدينة البيرة.
وقال: "كان هذا الجامع أصغر حجماً، وقد تبرعت ببنائه سيدة لا أعلم اسمها، وبمساعدة عدد كبير من المواطنين في تلك الفترة، وقد سمي آنذاك باسم مسجد عبد الناصر".
"المسجد كان يضم فقط الصالة الداخلية، وكذلك الخارجية والتي تمتد على مساحة 500 متر، حيث كانت تتخذ شكل المتنزه، وفيها أشجار لوزية، وفي عام 1999 تم توسيع المسجد، وبشكل إضافي تمت إضافة الصالة الأرضية، ومدخل النساء المتواجد الآن، وبعد ذلك توسعت بشكل أكبر وكما هو ظاهر الآن".
وقال المواطن أحمد أبو عبيد، حيث كان والده من بين المتبرعين لبناء المسجد: "عند اختيار اسم المسجد، وفي بداية الإنشاء، تم وضع عدة تسميات ومن بينها جمال عبد الناصر، وذلك لمكانته العظيمة آنذاك، وغير ذلك كان أهالي المنطقة يفضلون تسميته مسجد البيرة الكبير حتى هذه اللحظة".