الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

وصية الأب الأخيرة/ بقلم: طارق عسراوي

2016-12-06 11:25:16 AM
وصية الأب الأخيرة/ بقلم: طارق عسراوي
طارق عسراوي

 

حسنا، لم يكن ضروريا ان نسلك هذا الطريق، لكن الأمور الان تبدلت ولم يعد بالإمكان العودة إلى البداية !

 

هناك حيث تركنا بنادقنا وضعنا معها أحلامنا الكبيرة، وتركنا البحر والجليل، ربما أخطأنا حين قلنا: أننا نبحث عن حيّز ننشئ فوقه ملامحنا لنتمدد، وربما أخطأنا في شكل ملامحنا فبدا ما رسمناه ملامح جلاد جديد . . ربما فلست أثق بما قلته لك يوم أمس، هل تصدّق !!  

 

أقمنا غابات اسمنتيّة من عمارات وأبراج، وفي خضم انبهارنا بالصورة الجديدة كان الحيّز يضيق علينا أكثر، وكان البنيان الشاهق يحجب عن المخيم فضاء الأمل، حتى لم يعد بالإمكان التخلي عنها فقد صارت أعمارنا وسنواتنا القادمة مرهونة باسم غابة الاسمنت للمصارف لعشرات السنين القادمة.. ولم ننتبه إلى الفارق بين الدولة والوطن !

 

لك أن تلومنا يا ولدي، لا عذر للضحيّة إن تقمّصت شكل جلّادها تحت وطأة الانكسار واليأس.

 

أجل، كان فينا من يقول: من يريد الأرض عليه الاستثمار في باطنها لا على سطحها، لكننا استكنّا وأغوانا المتاح.

 

لا يمكننا الآن التغاضي عن سطح الأرض، وقد جعلنا عليه أعمارنا وغد أبنائنا وإن كان عرضة للطائرات .. نعم لقد كبّلتنا الطائرات !!

 

وماذا عن الغد يا والدي؟

 

لست أدري ! ما من جملة واحدة أثق بها يا بني!

 

لك أن تشقّ دربك، أن تختبر قلبك وخطاك .. سِر وحدَك فالطريق تنجب رؤياها وقادتها، أما خطانا فقد بترها الجدار.

 

لا تصدق ما أدعيه في الخطاب من شعار فلم أجلب من الوطن الواسع إلا  شقّة صغيرة مرهونة للبنك والخدمات المشتركة .. ربما لن تفيدك التجربة.

 

ها هنا نجلس على شرفة الخريف، خريف العمر والحكمة وما من فضاء أمام عيني أورثك إياه كي تفرد فيه جناحيك، فحلّق أعلى مما أستطيعُ.

 

لن أفرض عليك جُملتي ومقولتي رغم ما فيها من اجتهاد فرديّ معجز، تحرر ما استطعت مني وكن بسيطا، صادقاً.

 

لديك الكثير من التجارب، خذ ما شئت منها وانهض من رمادي، تتقد الجمرة فيك أكثر وربما تشتعل بك الطريق.

 

لا تقسُ يا أبتي، ما هو إلا لسان اليأس يحجب عنك الأمل، لولا رصاصة أصابت خاصرتك، ما كُنتُ لانشد موطني في صباحات المدرسة، ولولا هذي الشقة الصغيرة لما كنتُ أعرف الطريق إلى زعتر التلال وزعرور البلاد.

 

ربما كان عزائي الوحيد يا ولدي، أنني أورثك البلاد وأنت فيها، هذا ما استطعت عليه .. لم يبقَ لي الكثير اورثك إياه، ولي وصيّة واحدة: أن تبقى هنا، لا تحلّق في فضاء غير هذي السماء .. سماؤنا.