الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الشر الذي في الخير!/ بقلم: محمد الأمين سعيدي

ضوء في الدغل

2016-12-07 09:59:06 AM
الشر الذي في الخير!/ بقلم: محمد الأمين سعيدي
محمد الأمين سعيدي

 

بعد عودتي من المقهى التقيتُ تيما؛ القطة المتشردة التي تعطف عليها العائلة وتهتمُّ أمّي الزهرة بإطعامها كل يوم، لمحتني من بعيد، أقبلتْ نحوي راكضة، لاعبتها قليلا، ثمّ كأن شيئا استفاق فيها فجأة، توقفت عن اللعب، اتخذتْ وضعية الهجوم، ثم لم أنتبه وهي تركض حتى رأيتها تنقض على فأر، رأيته بين أسنانها يتلوى من الألم، لم تنظر إلي حتى، وذهبت به إلى حيث لا أعلم. في هذا الموقف تشتعل بعض تساؤلاتٍ سببها غياب الوعي عن جميع الحيوانات باستثناء القرد المتغطرس؛ فالقطة لن تفكّر أنها قتلتْ روحا، لأنها لا تفكّر ما دام التفكير متحققا بوجود الوعي، ولنْ يمثّل قتل الفأر بالنسبة إليها القتلَ حقا، القتلُ هو معنى بشريّ لا غير، وربما حتى بالنسبة إلى الفأر لا تعني تيما الشرَّ، لأنه لا يدرك ذلك أصلا، ولذا لا معنى، لكنها بشكل أو بآخر تمثّل مصدر خوف بالنسبة إليه فقط. في الطبيعة هناك الافتراس هو سيد التطوّرات، ولذا لا معنى للأخلاق، بل من أجل هذه الغاية لا دين عند الكائنات غير الواعية، دين الحيوان مرتبط أصلا بارتقاء سلم البيولوجيا وتحقيق البقاء:في الحياة من خلال أطول وقتٍ بواسطة الصراع وغلبة الأقوى، والخلفية هنا داروينية، وحين تنتهي حياته من خلال الجينات التي سربها وأوصلها سالمة إلى حضن السلالة بالتكاثر.

 

غير أنّ الإنسان؛ بما أنه الوحيد الذي نزل من شجرة على قدميّ الوعي، ينتج المعنى، وإنْ ظنّ غالبا أنه يملكه، وهذه سخرية أكثر فداحة. لكنه مع هذا دائما ما يحدد القيمة من دون سواه كالقطط والكلاب وغيرهما...يدّعي تحديد القيمة ربما، هذا الأفدح أيضا. ولأنه هكذا يعرّف الخير، يعرّف الشر كذلك..لكنْ هل يمكن اعتبار تعريفات الخير محرَّكة بالايديولوجيا دائما، إذ هي تنطلق مما تراه الذات خيرا انطلاقا مما ينفعها، هل الغاية نفعية خالصة إذن، ما دام ما يراه القوي خيرا هو شر للضعيف، ما يراه هذا الأخير شرا هو فعل خير في نظر الأقوى منه؟ تحديد القيمة حين ينطلق من معادلة تقول على"الخير بالنسبة إلى...الشر بالنسبة إلى..."يفقد كثيرا من المصداقية، يتحوّل إلى موقف أنانيّ عارٍ يلتحف بالمثالية والنبل، ويفتقر إليهما إلى درجة السقوط.

 

الآن؛ هل يمكن طرح السؤال التالي:ما الشر الذي يختفي وراء خطاب الخير المحاط بالبراهين الموجَّهة، الخبيثة أيضا؟ شر كثير لحق العالم الإسلامي من المنابر التي التحفت بالفضيلة بينما أشعلت المدن دمًا وعويلا، في مقابل هذا هل هناك خير يختبئ وراء الشر؟ السؤال المربك أيضا هو هل الشر والخير قيمتان مطلقتان، أم أنهما نسبيتان لدرجة تجعل التفريق بينهما يغدو مستحيلا حين ننتقل من شعب إلى آخر، من ثقافة إلى غيرها؟؟؟ لعلّ الأمر بحاجة إلى تريث خاصة ونحن نرى إلى أم القاتل تستقبله بالزغاريد وهي تحتفل بابنها العائد سالما حيا من الحرب، تزغرد وهي تنسى، أو تتناسى الحريق المشتعل في صدر أم القتيل الذي خلّفه وليدها وراءه..يبدو هنا أنّ العواطف دائما تحركها الخلفيات والانتماءات لا الصالح العام، لذلك يقدّم لنا العالم أمثلة رهيبة عن هذا، من المسجد يخرج الإرهابي الذي يذبح..من البار/الحانة قد يخرج صالح يخدم الناس. والعكس صحيح بالنسبة لمن يرى البار/الحانة خيرا وغيرها شرا.

 

ترون أنّ الشرّ والخير ليسا واقعين بالفعل ربما، بل هما محصوران في زاوية النظر، بل في النظرة نفسها التي تتموقع في الحيّز الذي يخدم الذات أوّلا، ثم فيما تتوافق عليه من اختلافات لا تضرها مع الآخر حين يوقعان معا على صحيفة المهادنة، ففي العمق هما خطابان عدوّان، في ظاهر الأمر صديقان اجتمعا على ما يفيد الطرفين.

 

في الأخير؛ أردتُ القول:هل هناك خير خالص وشر خالص؟ هل هناك خير طيب دائما؟ شر سيء دوما؟ الأمر إليك صديقي القارئ النبيه.