ذات مساء شتوي، كان كعادته يلتحف في صمته المبهم، وكانت هي تجلس مصغية لهمهمات الليل، مغيرة جلستها المعتادة، ابتسمت مشاكسة المساء، أمسكت بأطراف الدخان المنبعث من سيجارة، وبدأت تنسج مسرحية ساخرة، أرادت أن تتلاعب بخيوط الليل؛ لتحرك الأطياف المتراقصة في الهواء، عجبا، وسواس خيالها يغريها أن تتقمص دور البطولة على مسرحها. نقرات الثلج على نافذتها أيقظت ضجيج التمرد داخلها، نظرت لوجه الساعة الضجر، وإلى عقاربها التي كانت تحبو بملل في دائرتها المغلقة، تراقصت الشقاوة في عينيها، وانطلقت غير مترددة إلى حيث هو. جلست على أطراف مقعده وأمسكت سيجارة وأطفأتها، أغلقت ستار الخيال؛ لتحيك الواقع مسرحا جديدا... هي الليلة لا تريد اللجوء لوسادتها الخالية، أرادت أن تستفز غضبه، أن تعبث قليلا لتغير أحداث هذا المساء، كانت تتسكع على جنبات قلبها مئات اللهفات، تحثها على العبث حتى النهاية ..تجولت بين حنايا وجهه، تتلمس بأناملها طريقا لروحه، أيملك روحا؟!
عجبا..كم فاجأها عجزها عن الإجابة!
تسلقت عيناها ذلك الجسد الجالس أمامها، وحين وصلت لمرفأ عينيه، ماتت كل الصور هناك.
قسوة النظرة جعلتها تتراجع ، تقطع الطريق على أناملها الممتدة، نأت بعيدا، وضمدت جراح عينيها قبل أن تنزف دمعا، تمتمت باعتذار مبهم، ونظرت لرماد السيجارة الملقاة، وأدركت أنها محرقة لبقايا واقع ظنته يوما على قيد الحياة، كانت دوما تبحث في أشلاء الأكاذيب، وتنبش في تربة عشعش الموت فيها منذ ألف عام .
لاذت بمقعدها وتوسدت ابتسامة شاخ الحزن فيها، وعادت لتخيط بعض الحروف بجدائل الخيال...