الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المعسكران المتصارعان/ بقلم: زياد العسيلي

2016-12-12 03:52:36 PM
المعسكران المتصارعان/ بقلم: زياد العسيلي
زياد العسيلي

 

يحلو للبعض أن يسحب مؤشرات الحرب الباردة إلى عصرنا الراهن، و خاصة بين المثقفين اليساريين، ففي أول اصطدام ولو صحفي بين روسيا بالتحديد وأمريكا، تزخر الصحافة اليسارية بعودة القطب الروسي وانتهاء العالم ذو القطب الواحد.

 

لقد بات واضحاً للعيان أنَّ رأس المال الأمريكي أصبح القوة المسيطرة عالميًّا، بل و أبعد من ذلك، حيث غدا ازدهار الاقتصاد الامريكي أمراً مُلحاً لازدهار الاقتصاد العالمي، لم يعد خافياً على أحد أنَّ هذا الشكل الامبريالي الجديد هو الأخطر في التاريخ، فأمريكا هي أكبر شريك تجاري مع معظم دول العالم، وأصبحت الشركات الأميريكية العملاقة هي الشريك الرئيسي للرأس مال المحلي، و أكبر استثمارات لأي رأس مال محلي ستجده في الولايات المتحدة .

 

و لا يخفى على أحد أنَّ الصينيين هم أول من ضخ  ٤ تريليون دولار إبان الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي في خريف عام ٢٠٠٨ .

 

هذا الشكل الإمبريالي المتقدم لم تعهده الإنسانية من قبل، و هو يحمل في طياته الكثير من المجهول حول مستقبل الإنسانية .

 

في القرن الماضي وإبان الحرب الباردة، كان معسكر السلاح يكتفي بحرب كل عقد لضمان استمراره و في بعض الأحيان ازدهاره، لكن وبعد عقد لا أكثر على سقوط المعسكر الاشتراكي، أصبحت الحرب خياراً يوميًّا لم يعد ينقطع، بل وتعدى ذلك إلى خلق أدوات جديدة، كخوض الحروب بالوكالة، أي أن تكون الكلفة الإنسانية معدومة للمعسكر الرأسمالي بشكل عام، وللولايات المتحدة بشكل خاص .

 

هذا التوحش الرأسمالي حقق انتصارات اقتصادية هائلة، وأصبح هو المعسكر المقرر بتحالف خفي مع الرأسمال المتمثل بصندوق النقد و البنك الدولي .

 

لا بد من الاعتراف بأنَّ هذا المعسكر فرض نوعاً من الكساد الاقتصادي لمعسكر إمبريالي آخر، والذي يحتاج إلى أجواء سلمية للازدهار، كصناعة الطائرات المدنية، إمبراطوريات الغذاء، وحتى الصناعات الرقمية و التكنولوجيا السلمية وغيرها من الرأسماليات الكبيرة والهائلة التي تحتاج إلى أجواء سلمية نسبيًّا .

 

هناك مؤشرات خطيرة في الأفق تدل على بداية خلاف حقيقي داخل معسكر القرار في الولايات المتحدة، وطبعاً من المبكر جداً الكلام عن انقسام، لكن لا يجب التقليل نهائيًّا من حجم هذا الخلاف، وأحد أهم المؤشرات على هذا الخلاف هو الاتفاق الإيراني الأمريكي الذي احتفل الشهر المنصرم بعامه الثاني دون تحقيق أي بند من هذا الاتفاق.

 

قد نتفق على أنَّ المعسكر الصهيوني كان ضد هذا الاتفاق، وبالتالي عطَّله، لكن يجدر الانتباه أنه لم يستطع منع التوقيع عليه.

 

مؤشرٌ آخر في تموز هذا العام، حيث خاض كيري مفاوضات وصفت بالماروثونية ولمدة أسبوع في موسكو للوصول إلى اتفاق بخصوص الأزمة السورية، وتم الاتفاق، إلا أنه لم يلبث أن وصل واشنطن حتى غدا هذا الاتفاق في ذمة التاريخ.

 

وباعتقادنا أنَّ المؤشر الأكبر هو انتخاب ترامب نفسه، والذي وقف ضده حزبه وقوى داخلية لا يستهان بها ورغم ذلك انتصر انتصاراً لا غبار عليه بتأييد روسي فاضح لا يتسع هذا المقال لذكر الأسباب لذلك.

 

إنَّ أي مراقب بسيط للتطور السياسي في أوروبا يستطيع أن يلحظ تدحرج كرة الثلج باتجاه اليمين المتطرف، حتى أنَّ تشوميسكي تنبأ مؤخراً بانهيار الاتحاد الاوروبي .

 

عود على بدء، وخلاصة القول إنَّ التطور الطبيعي أن تفرز الرأسمالية أو الإمبريالية نفسها معسكرين جشعين بدأت مصالحهم بالتضارب ومن المبكر الحديث عن تناقص، إلا أنَّ تطور الأحداث سيكون سريعاً ودراماتيكيا بحيث سيعصف بكل أركان الارض.