الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

دلالات وأبعاد تعيين الأسير مروان البرغوثي نائب رئيس حركة فتح/ بقلم: يونس العموري

بقلم: يونس العموري

2016-12-12 04:19:27 PM
دلالات وأبعاد تعيين الأسير مروان البرغوثي نائب رئيس حركة فتح/ بقلم: يونس العموري
يونس العموري

 

 

أيًّا تكن المعلومات أو التفسيرات التي يتم تناولها والتي تعج بها الساحة الفلسطينية بالظرف الراهن حول طبيعة وحقيقة توزيع الحقائب داخل اللجنة المركزية الجديدة، وتحديداً فيما يخص إسناد منصب نائب رئيس الحركة (نائب القائد العام) للأسير مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية، والكيفية التي ستكون عليها هذه المسألة، إلا أنَّ هذه القضية تعتبر تحولاً جذريًّا في بنية النظام الفلسطيني، على الأقل الحزبي والفصائلي، وكنا انتظرنا أن يتم طرح هذه المسألة في أروقة جلسات المؤتمر السابع على مستوى استحداث المنصب وشرعنته في النظام الداخلي، وبالتالي انتخاب نائب القائد العام للحركة من قاعة المؤتمر مباشرة ، إلا أنَّ هذه المسألة لم يتم طرحها بالمطلق في حيثيات أعمال جلسات المؤتمر وقد تم إبراز هذه المسألة ما بعد انتهاء المؤتمر، الأمر الذي خلق حالة من السجال والجدل حول ماهية الشخص الذي سـيسند له هذا المنصب.

 

وأصبح من المعلوم والمعروف على الأقل إعلاميًّا تدوال العديد من الاسماء لهذا المنصب، وجدوى هذه الأسماء، ولتناول هذه القضية لا بد لنا أولاً من أن نتساءل ومعنا الكثير من كوادر وقادة فتح حول جدوى عدم طرح هذه المسألة على أعمال المؤتمر؟ ولماذا لم يتم إحالتها للنقاش والأخذ برأي المؤتمر على الأقل للاسترشاد بتوجهات وتوجيهات كوادر المؤتمر المسمى بالتمثيلي لقطاعات فتح المختلفة والتي قد تكون متناقضة.

 

ومروان البرغوثي يعود اسمه مجدداً ليتصدر العناوين مرة أولى كونه قد حصد أعلى الأصوات في مخرجات العملية الانتخابية المسماة بديمقراطية الصندوق الاقتراعي، وكونه مطروحاً ليتبوأ موقع نائب القائد العام، وهنا لابد من الانتباه إلى أنَّ ثمة حقيقة واحدة لابد من الإشارة إليها هنا والتوقف عندها، وهي أنَّ السيد مروان البرغوثي هو بالنهاية أسير ويقبع في المعتقلات الإسرائيلية، وبالتالي لا خيارات أمامه، أو بالأحرى فإنه لا يُخير، وإن كان الخيار والاختيار هنا واجب وحق ولابد أن يكون له موقفه الذي أعتقد هنا أن مروان يريد ومن خلال هذا الموقع إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح وهي أنَّ المعادلة الحاكمة والتي لابد لها أن تحكم العلاقة مع الاحتلال علاقة ذات صراع ومخرجات طبيبعية لهذا الصراع هو القادة الشهداء والقادة السجناء والقادة المطاردين في ظل معادلة المواجهة والمجابهة مع الاحتلال وبالتالي من الطبيعي برأيي أن يكون القائد العام معتقلاً في سجون الاحتلال ونائب القائد العام معتقلًا يفوز بأعلى الأصوات وهو القابع بالسجون وبالتالي أمين عام أحد أهم فصائل المقاومة قابعاً هو الاخر بالمعتقل.

 

الكثير من النواب أعضاء المجلس التشريعي تم اعتقالهم، وكان قد تم اعتقال رئيس المجلس التشريعي لفترات. وبالمحصلة هناك حقيقة راسخة يجب ألا تضيع حينما يتم تناول مسألة البرغوثي، تتمثل بكون مروان قائداً بامتياز له منهجه ورؤيته وبالتالي موقعه القيادي سواء أكان الرسمي أو الشعبي الجماهيري الأمر الذي تأكد كحقيقة غير قابلة للتفسير أو التأويل بشتى السبل والوسائل، إلا أنه وبذات الوقت فقد تحولت قضية مروان البرغوثي إلى قضية لها أبعاد ثلاثية الشكل والجوهر محلية فلسطينية وإقليمية وأيضاً دولية وذات حسابات دقيقة على كافة المستويات والصعد. 

 

وهنا، لابد لنا من أن نرفض أطروحة أنَّ معادلة القادة إنما يحكمها بالأساس توافق إقليمي دولي بشكل أو بآخر، ومروان إنما بتبوئه هكذا منصب إنما يعيد تجربة قادة المواجهة والمجابهة مع الاستعمار، وعلى رأسهم تجربة القائد الأممي نيسلون مانديلا، التجربة التي فرضت نفسها على الكل الدولي وبات التعامل مع مانديلا كحقيقة زعامتية مفروضة فرضاً على الاستعمار العنصري الأبيض ومحاورته ومفاوضته وهو ما أعتقد أن فلسطين بحركتها التحررية لابد أن تُعيد النظر به وتحاول الخروج من أزمة القيادة القابعة بالقصور إلى تلك القيادة، وأعتقد أنَّ ثمة الكثير من المراهنات باتت تعقدها أطراف عدة على مروان القابع في أقبية السجون والمعتقلات.

 

ومن هنا تكتسب مسألة البرغوثي كنائب للقائد العام لفتح هذه الأهمية، وحتى يكون الإنصاف سيد الموقف، فلا بد من تناول المسألة بعيداً عن أية حسابات سياسية تحاول الكثير من الأطراف زج مروان فيها. وأول هذه الجهات باعتقادي هي إسرائيل ذاتها والتي تحاول الإيحاء أنَّ مروان تحت عباءة التفاهمات السلطوية وحساباتها واستحقاقاتها، كما أنها تحاول رسم المسار السياسي لمروان، كأن تصرح العديد من الجهات الإسرائيلية وتتناول قضية مروان وتعيينه أو حتى فوزه بأعلى اصوات المركزية، ووصفه (بالقائد الإرهابي).

 

إسرائيل بهذا التصريحات وتصريحات أخرى تحاول أن يكون لها صوت ما في لعبة السجالات الفلسطينية الداخلية، وهي بذلك إنما تعمل على تقويض أساسات أركان المناهج النضالية الكفاحية بالداخل الفتحاوي بشكل أو بآخر، والتي تحاول جاهدة استعادة الدور الريادي والقيادي للحركة.

 

ولكن حينما تخرج هكذا تصريحات، فهي بلا أدنى شك تهدف إلى الإمعان في تشويه صورة حركة فتح، ووضعها على خارطة الاهتمام الإسرائيلي لمواجهة الأطراف الفلسطينية الراديكالية الأخرى حسب الاعتقاد الإسرائيلي، وهي بذلك تعمل على إنهاء فتح كحركة ذات بعد وطني تحرري، وهو الأمر غير المخفي من أجندة أهداف الدولة العبرية، والتي لطالما عملت على إفراغ فتح من محتواها الوطني ذي الأبعاد المقاومة والتي تستند إلى التجربة التاريخية لمسار الحركة الوطنية التحريرية بالمجمل.


لا شك أنَّ ارتباطات القضية الفلسطينية وتفصيلاتها باتت شأناً إقليميًّا ودوليًّا، وبالتالي فإنَّ صناعة السياسات الإقليمية وتوجهاتها المختلفة والمتناقضة تحتم بشكل أو بآخر التدخل في الشؤون الفلسطينية الداخلية وعلى مختلف الصعد والمستويات، وقياس فعالية أي من الخطوات التي قد تقدم عليها كافة الأطراف على الساحة الإقليمية.

 

من هنا يمكن القول إنَّ مسألة تعيين مروان البرغوثي نائباً لرئيس فتح، وبالتالي الإفراج عنه ليس قراراً إسرائيليًّا فحسب، على اعتبار أنه ليس بالإمكان القياس بأنَّ المعيار الأول والأساسي في هذه المسألة هو طبيعة المُعطى الأمنى بالنسبة لصانع القرار الإسرائيلي على أهميته، والقياس هو للمعيار السياسي أولاً وأخيراً بالشكل البراغماتي للبرنامج السياسي الإسرائيلي.

 

وبمعنى آخر قياس إمكانية تعاطي البرغوثي والأطروحة السياسية التسووية على أقل تقدير ومنهج العلاقة ما بين السلطة وإسرائيل بالظرف الراهن في ظل الحقبة التاريخية الراهنة، والتي تفترض إبقاء الحال على ما هو عليه من خلال الإبقاء على سياسة التفاوض طويلة الأمد، والتفاوض على المفاوضات ذاتها مع إمكانية إنجاز بعض القضايا الثانوية، الأمر الذي يعني بالمفهوم الإسرائيلي إبقاء حالة تصالحية معينة مع الجانب الفلسطيني، تساعد الجانب الإسرائيلي بتوجهاته الدبلوماسية وسياساتها الخارجية لمواجهة ما يسمى استحقاقات العملية التسووية عبر فرضيات التهدئة أو صناعة الاستقرار الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية المحتلة (السلام الإقتصادي)، أو بالعودة إلى السياسات المرحلية في إنجاز ملفات محددة وذات أبعاد أمنية بالدرجة الأولى (الانسحاب من بعض مدن الضفة ووقف التوغلات العسكرية)، أي إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه ما قبل اندلاع الانتفاضة الثانية، مع إبقاء جدار الفصل العنصري، وهو الأمر الذي تعتبره إسرائيل مفتوحاً للتفاوض ولإمكانية إنجاز حالة تفاوضية عليه ومن خلاله مع إعادة تجميد الحسم في القضايا ذات الأبعاد السيادية.

 

أعتقد أنَّ فتح وإن أقدمت على إسناد منصب نائب رئيسها إلى الأسير مروان، إنما توجه رسالة لها دلالات وأبعاد ذات مغازي جذرية بالتحول في العلاقة مع الاحتلال، وبالتالي فإنها تفرض حالة اشتباكية جديدة مع الدولة العبرية على مختلف المستويات والصعد.