الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إشارة: هل تحقق لنا ( الغدُ ) و ( مجدُه المُخلَّدُ ) ؟/ بقلم : محمد شريم

بقلم : محمد شريم

2016-12-14 09:50:41 AM
إشارة: هل تحقق لنا ( الغدُ ) و ( مجدُه المُخلَّدُ ) ؟/ بقلم : محمد شريم
محمد شريم

 

كم كنا نشعر بالسعادة والفخار ، والأمل في المستقبل ، ونحن ننشد في الصفوف المدرسية الدنيا النشيد ( نحن الشباب ) ! ذلك النشيد  الذي كتبه الشاعر اللبناني بشارة الخوري ( الأخطل الصغير ) في منتصف القرن الماضي ، ورددته من بعده الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج حقبة من الزمن ، بل إنها ما زالت تردده !

 

( نحن الشباب لنا الغدُ ، ومجدُه المُخلّدُ ) ، هذه الكلمات ما زالت باقية ، خالدة  في نفوسنا والذاكرة ، ولكن هل تحقق لنا ( الغدُ ) الموعود و( مجدُهُ المُخلّدُ ) ؟ أشك في ذلك ، كما يشك الكثيرون من الذين أنشدوا معي . لماذا ؟ لأن المتأمل في حال الأمة المتردي في كافة المجالات والميادين في هذه الأيام ـ وهي الغد الذي وعدنا به النشيد ـ  يدرك أن هذا ( الأمل ) لم يتحقق و( المجد ) لم يُخلَّد . فما السبب في ذلك يا ترى ؟ يعود السبب ـ كما أرى ـ إلى عوامل عدة لا مجال لذكرها الآن ، ولكنني سأشير إلى عامل واحد منها ، وهو موضوع حديثنا في هذه المقالة .

 

إن أولي الأمر في ذلك الحين ، وإن تنبهوا إلى وضع النشيد في مقرراتنا المدرسية ، فإنهم قد اكتفوا بذلك ، ولم يعملوا بموجبه ، أي أنهم لم يعدّوا الشباب ليكونوا هم بناة المستقبل ورافعو لوائه ، وأنا هنا لا أغفل التعليم الذي حرصت عليه الحكومات بحده الأدني وضمن الإمكانيات المتاحة ـ إذا التمسنا لها العذر ـ ولكن ما أقصده هنا هو أنها لم تشجع المتعلمين ، الشباب ، على صقل مواهبهم ، ولم تقم بتوفير الإمكانيات اللازمة لذلك ووضعها تحت تصرفهم ، حتى يستطيع كل واحد من هؤلاء الشباب تنمية مواهبه والعمل ضمن قدراته ورغباته ، وهل من طريقة لاستخراج أجمل وأعظم ما في الإنسان من الإبداع والعطاء تفوق تحفيزه على توظيف قدراته الذهنية والنفسية والجسدية في سبيل تحقيق هذا الإبداع ؟

 

وإذا آمنا بعدم جدّية هذه الحكومات في رعاية مواهب الشباب ، كما يجب ، فإن هذا يقودنا إلى التساؤل عن السبب الذي لأجله لم تقم الحكومات ـ أو لم تشأ أن تقوم ـ برعاية هذه المواهب وتوظيفها في خدمة الوطن والأمة ، بشكل ناجع ، ولكن الإجابة عن هذا التساؤل تستلزم دراسة كاملة يشارك فيها سياسيون ومؤرخون وتربويون وخبراء في الاقتصاد وعلماء في الاجتماع ، وليس مقالة كهذه ، ولكن على الرغم من ذلك فإنني أقول إن عدداً من الأسباب قد اجتمعت ، وما زالت تجتمع ، بشكل جزئي أو كلي ، لتحرف الحكومات عن تبني استراتيجية رعاية مواهب الشباب ، رعاية جدية ، وهذه الأسباب منها ما أساسه اقتصادي ، ومنها ما أساسه سياسي ، ومنها ما أساسه اجتماعي أو ثقافي ، ومنها ما أساسه هو ( أكبر الكبائر ) في مجال نمو المجتمع وتطوره ألا وهو الفساد .

 

ولكن إذا تحققت المعجزة ، وبحثت الحكومات العربية ـ أو غيرها ـ عن السبل المناسبة لرعاية هذه المواهب ، فكيف يتأتى لها ذلك ؟

 

إن رعاية المواهب تبدأ مع الصغير منذ الطفولة ، فقد ولى ذلك الزمن الذي تبدأ فيه شاعرية الشاعر بعد سن الستين ، فالموهبة كالقطار من لم يركبه في المحطة الأولى فليس من المضمون أن يتمكن من الصعود إليه في محطة لاحقة ، وإن حدث ذلك فإن راكبه يفقد متعة الانطلاق والقدرة على أن يحيط بكافة تفاصيل الرحلة ، وقد قال العارفون : رعاية الشجرة منذ الصغر أفضل من تعهدها بالرعاية بعد أن تبلغ الكبر .

 

ولكن حتى تبدأ رعاية الدولة لمواهب أبنائها هؤلاء وصقلها ، منذ الصغر ، ابتداء من  مرحلة الطفولة ، ومن ثم في مرحلة الشباب ، فإنه يجب أن يتوفر لديها عنصران رئيسان ، الأول منهما الأساس للثاني : الإرادة والإدارة . فإذا توفرت الإرادة حسُنت الإدارة ، وإذا حَسُنت الإدارة فإنها ستُحسن وضع الخطة ، فإذا أحسنتْ وضع خطة عملها ، فسيسهل عليها توفير المال والمتطلبات البشرية والمادية اللازمة للعمل والإنجاز .

 

وحتى تتوفر لدينا هذه الإرادة وتلك الإدارة ، سيبقى أبناؤنا يُنشدون ، كما أنشدنا نحن من قبل : ( نحن الشباب ) ، ولكن لن يتحقق لهم ( الغدُ ) المرتجى ، ولن يتحقق ( مجدهُ المخلدُ ) كما هو مأمول !