الفلسطيني اللاجئ من سوريا لا يعامل كما يعامل اللاجئ السوري
الحدث - لبنان- مصطفى أبو حرب
اللاجئون الفلسطينيون من مخيمات سوريا تقطعت بهم الأوصال، تشردوا وتشتتوا في كل البلدان المجاورة لسوريا، فمنهم من قصد الأردن، ومنهم من أخذته الأقدار إلى تركيا، والعاثر الحظ من جاءت به ظروفه إلى لبنان.
منذ ثلاث سنوات ويزيد والفلسطينيون يدفعون فاتورة الاقتتال في سوريا، وهم الذين لا يميلون إلا نحو الحياة الكريمة لحين عودتهم إلى فلسطين، ولكن الظروف أجبرتهم على الهرب من القصف والقتل والاعتقال كما الكثيرون من أبناء الشعب السوري، ولكن المؤسف والمعيب أن لا يعامل الفلسطيني اللاجيء من سوريا كما يعامل اللاجئ السوري إن كان لجهة الإقامة في لبنان أو لجهة التقديمات الإنسانية والعلاجية أو لجهة تسجيله في المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
هذه الأمور كلها تضغط على اللاجئ الفلسطيني من مخيمات سوريا، أولها أنه جاء ليعيش في المخيمات الفلسطينية كونها بيئة متشابهة مع نمط عيشه، أو لأن له أقارب فيها أو أبناء بلد، وثانياً لأنها أرخص من العيش في المدن، ولكن صغر مساحة المخيم والاكتظاظ السكاني وعدم توفر فرص العمل، جعلت الكثيرين من أبناء مخيمات سوريا يفكرون كيف السبيل إلى تغيير ما هو قائم من ضيق سبل العيش وعدم توفر الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، فمنهم من اشتغل بمهن ليست مهنته، وآخرين عملوا بائعين للخضار، ومنهم من يفكر بالسفر إلى أوروبا، وجميعهم بات مصيرهم مجهول لجهة العودة إلى مخيماتهم في سوريا.
والأمر الأخطر هو حالة الدمج التي تسعى الأنروا للقيام بها لتلامذة الصفوف الابتدائية في مدارسها، وهذا يدل على أن في الأفق أمر مريب، وبأن الفلسطينيين من مخيمات سوريا قد تطول مدة إقامتهم في الخارج، فلمَ المقام في بلد كلبنان لا يقدم للفلسطينيين المقيمين على أراضيه منذ العام 1948 حتى اليوم أياً من الحقوق الإنسانية، وفي مقدمتها حقي العمل والتملك؟
كل اللاجئين من مخيمات سوريا لديهم الرغبة في السفر، ترى الشباب لا حديث لهم إلا كيف السبيل إلى السفر، وحتى العائلات تريد أن تغادر إلى أوروبا، وهم يقومون بتقديم طلبات إلى العديد من السفارات ولكن للأسف لا يتم الرد عليهم ولا ينالون إلا تعب الانتظار ومعاناته. واللافت أن غالبية أبناء الشعب الفلسطيني من مخيمات سوريا يخاف حتى من مجرد التفكير في العودة والرجوع للعيش هناك، علماً أن غالبيتهم من أصحاب المتاجر والأملاك، ولكن هناك من دمرت متاجرهم وسرقت بضاعتهم وقتل آباؤهم وبات الهم الأكبر هو كيف السبيل إلى حياة كريمة لا يدفع فيها الفلسطيني الفاتورة عن غيره.
السيد خالد نصار، رب أسرة مؤلفة من سبعة أبناء من مخيم اليرموك، كان يعمل تاجراً مستورداً للبطائع من الصين، دُمرت محاله التجارية وسرقت بضاعتها وهو ينظر، فخرج من سوريا لا يملك شيئاً، حطت به الرحال في لبنان منذ نيسان 2013، سكن فترة من الزمن عند أقارب له، إلا أنه فضل أن يستأجر بيتا لعائلته، حاول جاهداً أن يتدبر عملاً يعتاش منه إلا أنه لم يوفق، وهو دائم البحث، ولكن لا سبيل لذلك، وهو يقول بأن مجيئه إلى لبنان ليس للإقامة وإنما كمعبر من أجل السفر إلى أوروبا، وهو لم يدخر جهداً ولم يترك وسيلة من أجل السفر إلا وسلكها حتى وصل إلى روسيا ومكث فيها ثلاثة أشهر مع عائلته، إلا أنه تعرض للنصب هناك، وعاد أدراجه إلى لبنان خاسراً كل ماله، ويقول: «لن أقبل أن أبقى في لبنان تحت أي مسمى، لأنني لم أجد المعاملة الإنسانية اللائقة، وأنا لن أنظر إلى الوراء. لقد تركت كل شيء فاراً بأسرتي، وأملي أن أعود إلى بلدي فلسطين كي أشعر بالكرامة التى هدرتها لي كل الدول العربية».
أما السيدة آلاء حمد، وهي أم لولدين، تركت مخيم اليرموك تحت أصوات القذائف، ووسط أزيز الرصاص، تقول بأن سبب تركها لمخيم اليرموك هو فقدانها للأمان، وخوفاً على عائلتها، وهي لن تعود إلى المخيم، لأنه سوف يتحول إلى سجن كبير أشبه بمخيم عين الحلوة في لبنان، ولأنه لن يعود كما كان سابقاً، وكذلك فإن الأهالي الذين حملو السلاح لأسباب متعددة وظروف مختلفة، لن يسحب منهم بسهولة، وهذا مما يقفدنا الشعور بالأمان، وتضيف بأن البشر أهم بكثير من الحجر، لذلك هي ليست آسفة على شيء في الوقت الذي ترى فيه زوجها وولديها أمام عينيها وكل ما هو دون ذلك تسهل إعادة الإتيان به. أما عن سبب تفكيرها وعائلتها بالسفر من لبنان، تقول بأنها وجدت في لبنان كل أشكال التمييز ضد الفلسطيني المقيم منذ العام 1948، من حرمانه من ممارسة العمل أو التملك، عدا عن عدم توفر أسباب الاستضافة في لبنان تحت مسمى الإنسانية، فنحن جئنا إلى لبنان لاجئين، فطالبونا بإقامة وكأننا سائحين، ولا نعامل أسوة باللاجئين السوريين لجهة التسجيل في المفوضية السامية للاجئين، باعتبارنا مسجلين أصلا كلاجئين فلسطينيين في سوريا.
وعن تقديمها لطلبات السفر تقول بأنها تقدمت إلى العديد من السفارات إلاّ أنها كلها ردت برفض طلبها لأن السفر محصور بالمفوضية السامية للاجئين والتي لا تسجل الفلسطيني على كشوفاتها التزاما بالقرار 194 وحفاظا على حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وتؤكد السيدة آلاء بأنه لم يترك للفلسطيني سبيلاً للسفر إلا من خلال الهروب بحراً، فإما يكون الموت منتظراً له أو خفر السواحل فيقاد إلى السجن، وإما أن يصل إلى وجهته، وهذا الاحتمال لا يصل إلى نسبة العشرة بالمئة، وأنا لست ممن يجازفون بهذه الطريقة، لأنني لم أصل إلى حالة اليأس التي قد تدفع بها إلى المخاطرة بعائلتها، ولكنها تعرف عائلات جازفت وسافرت بهذه الطريقة فمنهم من قضى وآخرون وصلوا.
الحاج محمود زيد أبو بلال، السبعيني، ورب أسرة مكونة من عشرة أولاد، يقول بحرقة: «منذ ثلاثة سنوات ونحن نعيش ظروفاً لا توصف إلا بالقول بأنها لا تمت إلى الإنسانية بصلة، نحن لا نجد عملاً نعتاش منه ولا يقدم لنا إلا القليل من المساعدات من قبل الأنروا، التي تتعامل معنا بسياسة عدم الاستقرار، فلا مواعيد ثابتة لتقديم المساعدات العينية أو المالية، وإن قدمت فهي شحيحة قياساً بما يتم تقديمه للاجئين السوريين، وكأن الفلسطيني من سوريا لا يعاني من ذات الظروف التهجيرية، وهذا كله مقبول رغم قساوته، إلا أن الأمر الصعب هو موضوع الإقامة، والتي تكلف رب الأسرة خمسون ألف ليرة أي ما يعادل ال 35 دولاراً عن كل فرد من أفراد أسرته، وهو الذي لا يملك دولاراً واحداً لدفع إيجار البيت أو لسداد فاتورة العلاج أو الطعام، وبذلك يصبح رب الأسرة مهدداً بالاعتقال على أي حاجز وبالترحيل، ويصبح بذلك مصير الأسرة كلها في خطر.
لذلك ترى غالبية الشباب مكدسين في المقاهي وعلى الطرقات يتحدثون عن سبيل يوصلهم الى بر أمان خارج حدود لبنان.
وهذا ما يجعل اللاجئ الفلسطيني من مخيمات سورية يقع بين مطرقة الظروف القاهرة في لبنان وسندان السعي إلى السفر، وما يتخلله من مخاطر وتحديات تكون في غالب الأحيان مهلكة.