لم يكن ممكناً التفاؤل بهكذا دعوة فرنسية، فهي بالإضافة إلى أنها لا تأتي في السياق الطبيعي لإنهاء الصراعات الدولية،فإنها قد ووجهت برفض أمريكي غير معلن، ورفض مطلق ومعلن من الطرف الرئيس في الصراع، ألا وهو موقف حكومة نتنياهو.
المعروف في علم السياسة أن مؤتمرات السلام الدولية إنما تأتي في آخر مراحل الصراع بين الدول، وهي بهذا تكون بمثابة إعلان وشهادة دولية بأن الصراع قيد الختام، ولم يتبقَّ سوى الحفاظ على ما انتهت إليه الأمور بخاتمة ذلك الصراع.
هل ينطبق هذا الحال على الوضع الفلسطيني في صراعه مع محتل عنصري ينكر أي حق من حقوق الفلسطينيين على أرضهم؟ لا داعي لذكر الشواهد، فهي معروفة للقاصي والداني، بمن فيهم حلفاء إسرائيل وداعموها. حكومات إسرائيل تبتلع الأرض الفلسطينية وتتمادى في عدوانها كل يوم، وتنكر على الفلسطينيين حقهم المشروع دولياً في استقلالهم وتقرير مصيرهم، تواصل عمليات القمع والاعتقال، وابناؤنا يموتون جوعاً في السجون، فعلى ماذا نتفاوض مع خصم لا يعترف أصلاً بوجودنا وبحقوقنا؟! وماذا يبقى من العلاقة معهم سوى التنسيق الأمني مقابل بعض التسهيلات الحياتية (علاج، سفر، تصاريح سفر مقننة)؟! علماً أن مثل هذه التسهيلات كانت قائمة ما قبل اتفاق أوسلو سيء الذكر.
بالعودة إلى وهم المؤتمر الدولي في باريس، فقد كان لدى الكثيرين مؤتمرمحكوم عليه بالفشل لأسباب تتخطى الأعراف الدولية في خواتيمالصراع،بل لأن الطرف الرئيس رفض المؤتمر، وأمريكا لم تتحمس له، وكلاهما (إسرائيل وحليفتها أمريكا) يبنيان استراتيجيتهما التفاوضية على المفاوضات المباشرة الفلسطينية- الإسرائيلية بالرعاية الأمريكية، وهي أفضل وصفة للفشل الذريع لحل الصراع بين الطرفين، وهذا ما اعترفت به علناً وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون.
رسم السياسة الفلسطينية على الدبلوماسية ومنها هذا المسمى"مؤتمر باريس الدولي" هو بأقل الأوصاف حساسية ركض وراء السراب،ما به ماء ولا خضرة، وهو الوهم الذي لم نعد نرضى به بعد هذه الجولات والدوران الذي جلب لنا الدوار. باريس تؤجل تاريخ المؤتمر للمرة الثانية في ظل إشاعات عن عدم دعوة الفلسطينيين! والسبب عدم حضور الإسرائيليين، وتصدر تصريحات من أطراف فلسطينية ترحب سلفاً بالقرارات التي لم تكتب بعد!!
الآن،وبعد كل الذي جرى، لقد آن الأوان ( بل تأخر كثيراً) لأن نلتفت لأوضاعنا الداخلية، فأوضاعنا لا تسر البال، ونحن منقسمون ولا صوت عن إنهاء الانقسام سوى بعض الجلسات الحوارية الشعبية خارج حدود الوطن،والتي تحولت إلى زيارات سياحية لا تقدم ولا تؤخر، ما دام الانقسام على الأرض يتكرس يوماً بعد الآخر، وما دامت الدعوات نحو الانتخابات لا تعدو الكلمات التي تقال، أما عن النتائج، فنحن نلمس تدهوراً على كل الصعد السياسية والديمقراطية والاقتصادية. تقلصت السلطات في بلادنا إلى سلطة تنفيذية دون رقابة برلمانية وقضائية.
من هنا، من داخل بيتنا الفلسطيني يبدأ الحل ويتم التغيير، وبعدها نذهب إلى كل العالم ونحن أقوياء متمسكون بحقوقنا، فالعالم لا يسمع إلا من الأقوياء، هذا ما تنطق به الحياة وهذا ما نراه من حولنا، ومن حيث نرى العالم الأبعد.