لا يمر اليوم حدث في أرض فلسطين التاريخية إلا ويعيد القضية الفلسطينية إلى الذاكرة وإلىجذور القضية التاريخية منذ أن كانت فلسطين أرض الكنعانين قبل التاريخ بآلاف السنين وإلى عام النكبة التي حلت بشعب فلسطين وتشريده من وطنه واقتلاعه من أرضه وممتلكاته وفقده لهويته الوطنية وحقه في العيش في دولته المستقلة الخاصة به.
لابد أن يذكر اليهود أنهم لم يكونوا أبداً على هذه الأرض وأول مستوطنة أقيمت لهم فيها كانت في القرن التاسع عشر،وأن أرض فلسطين هي للفلسطينين الذين تواصل وجودهم فيها عبر التاريخ إلى يومنا هذا، ولا يغير من هذه الحقيقة وعد بلفور أو اتفاقية سايكسبيكو أو الانتداب البريطاني أو قرار التقسيم، ولا الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين بالكامل في حرب حزيران عام 1967 الذي ما زالت تداعياته قائمة إلى يومنا هذا.
انطلقت الثورة الفلسطينية عام 1965 لتحرير كامل أرض فلسطين من البحر إلى النهر، وإعادة اليهود المهاجرين لفلسطين إلى مواطنهم التي جاؤوا منها، فقد كانوا على هذه الأرض ضيوفاً على أهلها وأصحابها ثم تحولوا إلى غزاة محتلين.
وأعلنت الثورة الفلسطينيةأن الطريق الوحيد أو الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف هي الكفاح المسلح والحرب الشعبية طويلة الأمد لتحرير أرض فلسطين من البحر إلى النهر، وسقط على هذه الطريق لتحقيق هذا الهدف آلاف الشهداء والجرحى والأسرى من أبناء فلسطين والأشقاء العرب.
وأيدت الشعوب العربية الكفاح المسلح لتحرير كامل فلسطين، وشارك أبناؤها بآلاف العمليات العسكرية الفدائية، خاصة بعد معركة الكرامة التي أعقبت هزيمة حزيران 1967 واحتلال ما تبقى من أرض فلسطين إضافة إلى احتلال أراضٍ من ثلاث دول عربية، ورأى العرب في المقاومة الفلسطينية تعويضاً عن الهزيمة وعزاء الأمة في نكستها، ففي هذه الأثناء انشغلت الدول العربية بما يسمى بإزالة آثار العدوان الإسرائيلي تاركة شعار تحرير فلسطين للفلسطينين وللمزايدات العربية.
وجدت القيادة الفلسطينية أن هدف تحرير فلسطين كاملة أمراً غير ممكن، ولا يحظى بتأييد عربي أو دولي، فإسرائيل باتت دولة قائمة، وكأمر واقع تتلقى الدعم والمساندة المادية والعسكرية والسياسية من دول كثيرة فاعلة ومؤثرة في العالم. ولا يكاد يختلف على حقها في الوجود والأمن دولة من الدول، وهنا أدركت القيادة الفلسطينية ضرورة تبني سياسة المرحلة لتحرير فلسطين وكان الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة قد أطلق من قبل شعار خذ وطالب كسياسة واقعية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
اعتمدت القيادة الفلسطينية سياسة المرحلة في الكفاح من أجل التحرير وكانت ترجمته في إقرار برنامج التقاط العشر عام 1974 الذي يركز على إقامة دولة فلسطينية على أي جزء يتم دحر الاحتلال عنه ولم يقل البرنامج إن دحر الاحتلال يجب أن يكون فقط في الكفاح المسلح وتركت لعبارة النضال بكل أشكاله أن تتسلل إلى البراج السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية،
ويحمل التعبير الحق في المقاومة المسلحة التي كفلتها الشرعية الدولية للشعوب الخاضعة تحت الاحتلال والنضال السياسي والدبلوماسي وما زال هذا الشعار يرد في الأدبيات السياسية الفلسطينية، وآخرها البيان السياسي للمؤتر السابع لحركة فتح الذي عقد الشهر الماضي ولم يعد تحرير فلسطين من البحر إلى النهر شعاراً يطرح، وجرى التركيز على شعار إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض التي احتلت عام 1976 وعاصمتها القدس الشرقية والذي باتت ترجمته في عبارة حل الدولتين، وظل حق العودة للاجئين الفلسطينين إلى ديارهم التي طردوا منها عام 1948 شعاراً مرفوعاً إلى يومنا هذا، وإن كان قد استعيض عنه بالصيغة الواردة في المبادرة العربية التي أقرت في قمة بيروت وضمنت في قرارات دولية بصيغة مبهمة،
إذ أصبح حق العودة خاضعاً لحل متوافق عليه، وأقر برنامج السلطة الوطنية أو الدولة على أي جزء من الأرض الفلسطينية يتم تحريرها أو دحر الاحتلال عنها عام 1974 ظن كثيرون في فصائل العمل الوطني الفلسطيني أن الدولة الفلسطينية باتت في متناول اليد أو في الجيب كما كانوا يقولون إن اعترفت القيادة المتنفذة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي قيادة فتح بالتأكيد بحق إسرائيل في الوجود بحدود الرابع من حزيران، وأوقفت الكفاح المسلح وتخلت عن العنف الذي كانت تطلق عليه إسرائيل الإرهاب في حل الصراع، لكن الأيام والأعوام التي تلت برنامج النقاط العشر تم توقيع اتفاق أوسلو 20 عاماً على التفاوض أثبتت أن إسرائيل ليست في وارد بناء سلام عادل مع الشعب الفلسطيني، بل هي تمعن في إنكار حقه في الوجود والعيش في دولة مستقلة خاصة به في حدود الرابع من حيران 1967 وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي طردوا منها عام 1948.
واتخذت من اتفاق أوسلو 20 سنة من المفاوضات برعاية أمريكية وحل الدولتين ستاراً للمضي في مشروعها الاستيطاني الذي يقوم على ابتلاع كامل الأرض الفلسطينية وهضمها واستحالت أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة على أي جزء من أرض فلسطين التاريخية وهي تسابق الزمن في سن قوانين عنصرية تشرعن الاستيطان والاستيلاء على الأرض المتبقية في أيدي الفلسطينين وتحاصر مدنهم وقراهم بالجدران والطرق الالتفافية وتدمر مزروعاتهم ومياههم وبيوتهم لتجعل حياتهم مستحيلة على أرضهم، وامتدت الإجراءات الإسرائيلية إلى فلسطيني الداخل عرب 48 في الجليل والمثلث والنقب الذين يعتبرون مواطنين في دولة إسرائيل لتجردهم من أرضهم وتهدم منازلهم وتهجرهم منها وتحاول طمس هويتهم القومية وفك ارتباط عرب الداخل بوطنهم فلسطين ومواطمنتهم في دولة إسرائيلوباتت تتعامل معهم كما لو أنهم فلسطينيو الضفة والقطاع خاضعون للحاكم العسكري ولقانون الاحتلال.
إن الظروف الدولية والإقليمية والعربية الحالية أفسحت المجال أمام إسرائيل للمضي في مشروعها الاستيطاني وإنكار حق الشعب الفلسطيني في الوجود والعيش في دولة مستقلة خاصة به وحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم التي طردتهم منها عام 1948،ولم يعد أمام شعب فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك أشقائنا في الداخل إلاالصمود والتمسك بوجودهم في أرضهم ومواصلة كفاحهم لانتزاع حقهم في الوجود وإقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمته القدس الشرقية التي طال انتظارها وباتت حلماً بعيد المنال في عتمة الليل العربي وانشغال المجتمع الدولي بأزماته وانزياح دوله نحو اليمين المتطرف وتقوقع كل دولة على ذاتها لتعود فصول التاريخ إلى بداياتها والصراع إلى همجيته يطحن مزيداً من البشر ويفرق بين الشعوب ويخرج أسوأ ما فيها خاصة في وطننا الذي نريد له السلام والأمن.