الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ضوء في الدغل شذرات لا يهمها المعنى/ بقلم:محمد الأمين سعيدي

2016-12-20 02:07:35 PM
ضوء في الدغل شذرات لا يهمها المعنى/ بقلم:محمد الأمين سعيدي

 

 

لعلَّها في العمقِ الوجود بما فيه، ولذا يمكن رؤية الشعر في تجليات عديدة في الحياة، واللغة هي بيته المعروف فقط. من هنا يكون النص غابة الممكنات، وطريقا صوبَ تجريبِ القبض على الحياة متلبسةً بأشكالٍ جديدة كما أشار خزعل الماجدي في كتاب"العقل الشعري"، والأهم أيضا بلغةٍ متجددة بقدر ما تمثّل هدما رمزيًّا وفعليا للغة الشعرية السائدة، الموروثة أيضا؛ تغني ذاكرة اللسان باحتمالاتٍ أخرى لاحتواء قبس المعنى، أو للشهادة على موته أحيانا، للرهانِ كذلك على استمرار النص بالإيحاءِ في أنساق ثقافية وإبداعية لم تنوجد بعد.

 

اللغة:

 

 هي شيء من تعريف العالم وخلقه بمعاني جديدة في آن واحد. ولهذا تقتضي في الجانب الأول التعريف الواعي بالذات والآخر والقدرة على إدراك الأشياء وتحديد مفهوماتها، لكنّها في الجانب الثاني، خلقِ العالم، وهذا هو المهمّ، تجترح تفكيراتٍ تحركّها المخيّلة الإنسانية لتبتكر العالم مراتٍ ومراتٍ من خلال الشعر والرواية والقصة والمسرح، أيْ من خلال أجناس أدبية تمثّل كل واحدة منها عينًا على الوجود. يعيدنا هذا إلى الفكرة الفلسفية التي تقول أنّ العالم موجود باللغة، بالمعنى الذي تمنحه إيّاه، ولكن يحملني هذا شخصيا إلى التساؤل:لو زالتِ اللغة أين يذهب العالم؟؟؟لو نسيتُ لفظ كلمة"جبل"هل سأعرف كيف أصعد إليه؟؟؟؟

 

التجريب:

 

 أتخيّله دومًا بالشكل التالي:صيّادا يبتعد عن مواقع الصيد التي يرتادها الجميع، ويبحر بعيدا بعيدا، لعلّه يقبضُ على ثروته، سمكةٌ مختلفة، ولا يهمّه عددها، بل مقتنع، تماما كعجوز إيرنيست هيمنجواي، بقيمتها الرمزية بالنسبة إليه أولا، وبالنسبة إلى الصيد قيمةً وممارسة وحياة. هكذا يحدث للشاعر المجرّب، فهو ينفر من الشعرية المألوفة، من الأشكال الجاهزة، من نصوصه السابقة، ليحفر في أرض كتابة أخرى، ومع أنه على وعيٍ بتنكّر الذائقة لتشكيلاتِ نصه بطين رؤاه وخصوصيته إلا أنه سعيد بمواصلة الحفر/الكتابة. كل هذا يحمل على الإقرار:يوم يتوقّف التجريب سيموت الشعر، والدليل على هذا كثير في الذاكرة الشعرية العالمية.

 

الرسم:

 

 أشعر دوما أنه الوسيلة الوحيدة لقول المعنى بأكثر الأشياء واقعية وصدقا:الألوان. كنتُ أرسم دوما على استحياء، ومع ذلك أواصل، أظنّ في تشكيل الألوان شعرا لا تمنحه القصيدة، الشعر كثير، وللوحة الفنية شعريتها أيضا، مع هذا يبقى اللون والكلمة أداتين شعريتين بامتياز، التقط المعنى الأول نزار قباني بذكاء حين سمى إحدى مجموعاته"الرسم بالكلمات"، ويمكن أنْ نعكس فنقول الكتابة بالألوان، لا أرى اختلافا كبيرا.

 

الموسيقى:

 

 هي أحد أهمّ الفنون التي تحمل الروح إلى ممالك السلام، وأيضا هي من أهمّ عناصر الشعر، سواءٌ تجلّتْ في بنية عروضية أو تشكّلتْ على إيقاع انسجام المعنى مع الجملة في القصيدة. لا أعرف لماذا كثر الشعر الموزون الخالي من الموسيقى، ولماذا تكاثرتْ القصائد النثرية الفارغة من أيّ إيقاع، المنفلتة من أي تجنيس، القريبة جدا إلى الكلام العادي أو ما يسميه المراهقون الخاطرة!!!

 

الوجود:

 

 أعدّه بيتي الوحيد إلى الآن، وسأبكي كثيرا وأنا أطرد منه يوم موتي. الوجود ساحة الإمكانات المعقدة، الأشكال الحية الغريبة، المناخات المختلفة...لكنّه أيضا منهل المخيلة الذي لا تشتعل غابة خيال دونَ أنهاره. بسبب هذه العلاقة قد تسقط المخيلة في شرك المحاكاة، والواقعية التي تكتفي بوصف العالم والتغني بجماله. ومع هذا يوجد استثناء دوما، أتحدّث عن الوعي الشريد الذي يهدم إذ يتخيّل العالم آلاف المرات، ليعطيه في كل يوم جديد صورة مغايرة. الوجود هنا، إنسانيا؛ كون الإنسان هو الحيوان الواعي الوحيد إلى الآن، هو البيداء التي يصطاد فيها الإدراك غزلان المعنى، وبحضور الموجود في إدراك الإنسان تبدأ عملية تعريفه ومنحه المعنى الذي يفتقر إليه بسبب افتقاره إلى الوعي، لو كانت الوردة واعية مثلا، لصرخت في وجوهنا:"من قال لكمْ أني جميلة ورومانسية، أنا فتاة شقية وبنتُ مليون كلب.." .

 

القارئ:

 

 هو العين التي تمتلك موهبة رهيبة؛ من صفحة كتابٍ ترى كل شيء، وفي صفحة كتاب آخر تدرك إمكانات تحوّل المعنى المستمرة واللانهائية، تضحك على اللغة:كم ألعابك خبيثة أيتها الفاتنة.