موسى أبو زيد: نعترف بذلك لكن ما هو موجود محدود ويتم معالجته
د. حسن خريشة: السلطة هي التي وسَّعت الظاهرة وأصَّلتها
الحدث - إعداد: محمود الفطافطة
عندما حَكمتْ نيفين الأسمر، الموظفة في وزارة التربية والتعليم العالي برام الله، ضميرها بين القرابة التي تجمعها بابن شقيقتها وبين النزاهة في عملها، اختارت الثانية على الأولى. الأسمر لم تستطع الصمت على ما اقترفه قريبها من اختراع أسماء لموظفين وهميين بهدف الحصول على رواتب بدون وجه حق، ما دفعها لتقديم شكوى ضده إلى الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة “أمان”، مستحقة بذلك جائزة “ الموظف المثالي” لعام 2009.
قصة هذه الموظفة «المخلصة» لعملها تنقلنا للحديث عن قضية يتساءل الكثير من الفلسطينيين عن حقيقتها، والأسباب المؤدية إلى ظهورها، ومدى حجمها، والأبعاد الناجمة عنها، وصولاً إلى الطريق الأمثل لمعالجة هذا الداء المفترس للمال العام وإهداره، وحرمان آلاف العاطلين من حقهم في فرصة عمل.
من هو الموظف الوهمي؟
القضية المطروحة، هنا، تتمثل في أولئك الذين يتقاضون أجوراً دون أن يكونوا على رأس عملهم، أو هم مجرد أسماء مخترعة. مثل هؤلاء وصفوا حيناً بـ»الموظفون الوهميون»، وحيناً آخر بـ «الموظف الشبح» أو «الموظف المُخترَع». في هذا التقرير سيتم تبني مصطلح «الموظف الوهمي» نظراً لذكره في بعض التقارير المالية والتشريعات القانونية الفلسطينية من جهة، ولتداول هذا الوصف على الألسنة من جهةٍ أخرى.
مثل هذا الشكل من الفساد يعتبر من القضايا المسكوت عنها رسمياً وإعلامياً وحتى مجتمعياً. ولكن هذا التقرير يدق خزان الصمت ويفكك عقدة التردد؛ لعله يُحدث دافعاً لدى أصحاب الشأن والقرار ليواجهوا هذا “ الداء الوظيفي” الذي ينهب حقوق من يبحثون عن فرصة عمل لسنواتٍ طوال دون أن يُعانقوا هذا الحلم البعيد المنال.
محددات لا بد منها
وقبل الخوض في تفاصيل وأبعاد هذه القضية، نود الإشارة إلى عدة نقاط، تساهم في توضيح وتقريب الصورة العامة للتحقيق، وتتمثل في:
الهدف من إعداد التحقيق، هدفين، الأول: إمكانية الحصول على أكبر قدر ممكن من المعطيات حول القضية، دون التدخل في حسم التوصيف في أنها ظاهرة أم مجرد حالات، وهذا من أبجديات العمل المهني في التحقيقات الاستقصائية، فالمعطيات على لسان أصحابها. أما الهدف الثاني فيكمن في طرح القضية لأول مرة في الصحافة الفلسطينية بهدف الوقوف على (الحقيقة المقاربة) ومن ثم المعالجة، لا بقصد الإثارة وابقاء قرني الإشاعة والتخمين يمتدان بعيداً.
هناك التباس لدى الكثيرين حول مفهومي الموظف الوهمي والبطالة المقنعة. فالأخيرة يُقصد بها وجود أعداد من العمال أو الموظفين لأداء عمل واحد يمكن أن يقوم به عامل أو موظف واحد. هذا ينعكس على التكاليف بالزيادة وعلى الإنتاج بالتناقص. مثل هؤلاء يكون عملهم الوحيد قتل الوقت وانتظار موعد المغادرة.
المعطيات المنشورة حول الموظف الوهمي محدودة جداً، سواء لدى الطرف الرسمي أو المؤسسات التي تعنى بالشفافية والحكم الصالح. فمن خلال الاطلاع كانت أحدث معلومة ، جاءت مقتضبة، منشورة في تقرير لمؤسسة أمان في 2010. واستناداً إلى ذلك فإن هذا التحقيق أخذ جنساً معرفياً مزدوجاً متمثلاً في التحقيق الصحافي المطعم بخيوط البحث العلمي.
يرى البعض أن هناك حالات فلسطينية يمكن أن يُطلق على مجموعها صفة “الموظفون الوهميون”، كحالة آلاف الموظفين من قطاع غزة الذين يتقاضون أجوراً دون تواجدهم في مواقع عملهم منذ بداية الانقسام في حزيران 2007. وكذلك الحال يمكن تمريره على نواب المجلس التشريعي. في الحالتين لا يمكن لنا إسقاط صفة “ الموظف الوهمي” عليهما، وبالتالي فهما خارج إطار النقاش هنا، مع ضرورة معالجة ذلك بشكل مؤسساتي وموضوعي عبر الجهات ذات الاختصاص.
الاعتراف أولاً
وانطلاقاً من كل ما سبق ندلف نحو تفاصيل القضية المطروحة. بداية، يرى رئيس ديوان الموظفين العام موسى أبو زيد أن الحديث عن وصف «الموظف الوهمي» في القطاع الحكومي بفرعيه المدني والأمني مبالغ فيه، وهو يندرج في إطار الإشاعة وإطلاق المعلومات التي تفتقر إلى أدلة ووثائق. ويؤكد أن الديوان يولي أهمية بالغة في عملية التوظيف وضبطها والتركيز على الشفافية في كل ما له علاقة بالتوظيف العام ومتابعته.
ويوضح أبو زيد إنه يمكن الحديث عن وجود حالات لمثل هذا التوصيف نتيجة للظروف السياسية والخلل الذي تتعرض له بعض المؤسسات سابقاً، مشيراً إلى أن ذلك قد تم تجاوزه والتخلص منه، انطلاقاً من إرساء ركائز الشفافية والنزاهة في التوظيف العام، ومنوهاً إلى «أننا نعترف بوجود ذلك لكن ليس مثلما يُقال أو يشاع. ما هو موجود محدود ويتم معالجته». في مقابل وصف أبو زيد للموظف الوهمي بأنه مجرد حالات قد تمت معالجتها، نجد النائب في المجلس التشريعي د. حسن خريشة يصف ذلك بالظاهرة المقلقة، وأن السلطة هي التي أصلتها وعملت على توسيعها، لا سيما في السنوات الأولى لقدومها.
علاج ناقص
ويوضح د. خريشة أنه خلال السنوات الماضية قُدمت للتشريعي وللنواب عديد الشكاوى حول التجاوزات في الوظيفة العمومية، كالتسيب أو الانقطاع عن العمل أو الفصل منه، ومشاكل متعلقة بالبطالة المقنعة وتقاضي أشخاص لأكثر من راتب، فضلاً عن اختراع أسماء وهمية لموظفين وسواها من تجاوزات لم تجد اهتماماً أو معالجة من أصحاب الشأن والقرار.
ويذكر النائب خريشة أنه في ظل انعقاد وعمل المجلس التشريعي كان هناك اهتمام واسع وملحوظ بخصوص تلك التجاوزات، لكن ذلك تراجع كثيراً بسبب الانقسام السياسي وتمركز الوظائف العامة لأعضاء فتح في الضفة الغربية ولأعضاء حماس في قطاع غزة. ويبين أن هذه الظاهرة ما زالت متواصلة وإن أخذت تراجعاً أقل وغموضاً أو سرية أكثر، مشيراً إلى أنه في ظل حكومة سلام فياض تم الطلب من الموظفين القاطنين في الخارج العودة ليكونوا على رأس عملهم دون أن يُسأل هؤلاء عن الأموال التي تقاضوها سابقاً.
ما يقوله موسى أبو زيد لا يصمد أمام ما كشف عنه مدير عام الرواتب السابق في وزارة المالية عبد الناصر عطا في العام 2010 عن وجود أكثر من سبعة آلاف شخص يقعون تحت مسمى «الموظفون الوهميون» في قطاع الخدمة المدنية. وعندما سُئل عن واقع الحال في القطاع الأمني أجاب: «الوضع أسوأ مما هو موجود في مجال الوظيفة المدنية». يدعم هذا التأكيد ما ذكره تقرير للبنك الدولي في عام 2006 بوجود ما بين 8 ـ10 آلاف شخص يتبعون القطاع الأمني، يتقاضون أجراً دون أن يكونوا على رأس عملهم»، ويشير التقرير إلى «أن هناك فشلاً في إزالة لوائح الموظفين الذين يتقاضون راتبين من الحكومة والموظفين الوهميين».
فواتير متخمة وانتاجية متصحرة
هناك دليل ثالث يعزز ما ورد سابقاً، فقد جاء في تقرير لمؤسسة «أمان» أن تضخم فاتورة الرواتب والأجور، والتي بلغت حسب موازنة 2009 ( 5,640) مليون شيكل، لا يعكس كلفة العدد الحقيقي لشاغلي الوظيفة العامة في فلسطين، وإنما يشمل أعداداً غير محصورة حتى الآن من الأشخاص ممن هم خارج الخدمة المدنية سواءً كانوا مفروزين لأسباب شكلية تحايلية، أو منتدبين على وظائف خارج نطاق عمل الخدمة المدنية سواءً للتنظيمات السياسية أو للمنظمات الأهلية أو مرافقين لأشخاص أو على السفارات الفلسطينية في الخارج، حيث أن معظم أولئك يتقاضون رواتبهم وهم جالسون في البيوت أو عاملون في القطاع الخاص أكانوا داخل فلسطين أو خارجها».
قنوات لم تردم
وقبل أن نتواصل في طرح ما جاء في بعض التقارير والاستطلاعات حول وجود «الموظفون الوهميون» في قطاع التوظيف العام، نتوقف ملياً لنتعرف على الأسباب الكامنة وراء وجود هذه القضية. لتحقيق هذا الغرض أسعفنا الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم بالإجابة، فيقول: «إن الأسباب عديدة، أهمها: استمرار إرث منظمة التحرير كحركة مقاومة سرية في الإدارة والحكم على عمل السلطة وأجهزتها، حيث بقيت تقاليد وأنماط عمل الثورة ذات الطابع السري المقترن بغياب الشفافية في العمل وتداول المعلومات، وأنماط ضعف المساءلة هي المسيطرة بشكلٍ كبير، واستمرار وجود بعض التدخلات غير المشروعة في عمليات التوظيف والترقيات في القطاع العام، وذلك كتدخل بعض المتنفذين في السلطة وتدخل مسؤولي التنظيمات السياسية لصالح أشخاص ينتمون لها بصرف النظر عن الحاجة الوظيفية والمؤهل والخبرة العملية، فضلاً عن غياب أو ضعف الرقابة والمساءلة بشأن التجاوز في مسألة الموظفين الوهميين من قبل الجهات الرقابية المختصة كديوان الرقابة المالية والإدارية وديوان الموظفين العام ومسؤول التنظيم والإدارة العسكرية ومسؤولي الإدارة في الوزارات والمؤسسات الرسمية الأخرى ذات العلاقة».
تقارير ومؤشرات
وفي عودة إلى التقارير، فقد جاء في إحدى تقارير المجلس التشريعي لعام 2004 ما يلي: «وجوب أن يكون الموظفون الموجودون في الخدمة المدنية على رأس عملهم فعلاً، ولا بد من تفعيل الدور الرقابي لوزارة المالية في هذا الشأن». كما وجاء في تقرير آخر للتشريعي عام 2005 نفس التوصية المذكورة مضافاً إليها «تنفيذ الزيادة المستحقة لمن هم على رأس عملهم فعلاً في الأجهزة الأمنية وتفعيل الدور الرقابي لوزارة المالية للتأكد من أن العاملين في قوى الأمن الفلسطيني على رأس عملهم».
إضافة إلى ذلك، ورد في بلاغ لوزارة المالية عام 2006 «تكثيف الجهود المبذولة في مجال التدقيق الداخلي والرامية للحد من التسيب الوظيفي في القطاعين المدني والعسكري والاستمرار في الوقف الفوري لرواتب المخالفين لقوانين الخدمة «قانون الخدمة المدنية، وقانون الخدمة في قوى الأمن» .
أما بخصوص ما صدر عن التشريعي بعد الانقسام الداخلي، وتعطل أعمال المجلس فنجده متمثلاً في التوصية التي تضمنها البند 3 من تقرير مجموعة العمل الخاصة بالشأن المالي والاقتصادي حول مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2008، ونصها: «تزويد المجلس تقريراً يتضمن أداء الحكومة، إن وجد، حيال ظاهرة الموظفين، والموظفين الذين على رأس عملهم، والموظفين الذين يتقاضون رواتب مزدوجة، وذلك خلال أسبوعين من تاريخه». ويذكر التقرير «أن خطاب الموازنة لم يشر إلى أداء الحكومة، إن وجد، بشأن مكافحة ظاهرتي الموظفين الوهميين وذوي الرواتب المزدوجة، كما وخلا مشروع موازنة 2008 من حجم موظفي القطاع العام وتوزيعهم على مراكز المسؤولية».
نسب مقلقة
وفي موازاة تلك التقارير المذكورة سالفاً يبين استطلاع حول رضا الجمهور الفلسطيني عن شفافية ونزاهة المؤسسات العامة والعاملين فيها، أجراه مركز استطلاعات الرأي والبحوث المسحية في جامعة النجاح في آذار 2010 أن ما نسبته 43.7% من أفراد العينة أفادوا بوجود أشخاص موجودين خارج فلسطين يتلقون راتباً شهرياً من موازنة السلطة ولا يقومون بأي عمل حكومي في فلسطين أو خارجها، وقد تفاوتت هذه النسبة ما بين 40,6% في الضفة الغربية إلى 49.2% في قطاع غزة.
كما وأفاد ما نسبته 58,9 % من المستطلعة آراؤهم بوجود أشخاص داخل فلسطين يتلقون راتباً شهرياً من موازنة السلطة ومن مؤسسة أخرى بنفس الوقت كمنظمة أهلية أو شركة قطاع خاص. ويعتقد 70.4% من المبحوثين أن الأشخاص الذين لا يتواجدون على رأس عملهم غالباً ما يتم تعينهم أو انتدابهم أو نقلهم دون الخضوع لإجراءات التعيين أو الانتداب أو النقل الرسمية، وإن معظم هؤلاء الأشخاص يتم التغاضي عنهم بسبب المحاباة والمحسوبية على خلفية الانتماء السياسي أو العائلي. كما ويعتقد 85,5% من أفراد العينة أن صرف هذه الرواتب لمثل هؤلاء الأشخاص هو شكل من أشكال الفساد.
ووفق هذا الاستطلاع يتبين أن أكثر القطاعات التي ينتشر فيها الفساد بشكل كبير هو القطاع العام وخاصة في المستويات العليا القيادية المدنية والأمنية، وأن الواسطة والمحسوبية والمحاباة في مجال التعيينات الحكومية والخدمات العامة تعتبر أبرز أشكال الفساد انتشاراً في جسم السلطة، يليها اختلاس المال العام مصحوباً باستغلال المنصب العام، إضافة إلى الرشوة وغياب النزاهة والعلنية في العطاءات والمشتريات الحكومية
آراء المواطنين
حنان عمارنة تقول: «الموظفون الوهميون ظاهرة منتشرة في مؤسسات القطاع العام، ومن أهم أسباب انتشارها البعد الحزبي والسياسي، حيث يرى الحزب المهيمن على هذه الوزارة أو تلك سواء في الضفة أو القطاع أن أعضاءه هم الأحق في التوظيف». أما مثقال بني عودة فيرى أن هذه المسألة كانت تأخذ العلنية سابقاً لكن بعد الحديث عنها في المجتمع أصبحت سرية وتتراجع من حيث الحجم.
بدوره يذكر ماجد أبو عرب أن حجم الموظفين الوهمين في السلطة الوطنية تقلص كثيراً في عهد حكومة سلام فياض، لكن هذه الظاهرة مازالت موجودة تحت بند مهمات ودورات وانتداب وإجازات، مبيناً أنه في إحدى المؤسسات الإعلامية الرسمية قام رئيس هذه المؤسسة بتعيين شقيقه الذي لم يلتحق بمقر عمله منذ سنوات، في حين أن هناك آخرين ادعى رئيس المؤسسة أن فلان مفروز على التنظيم وعلان مفروز على هذه المؤسسة أو تلك، وفي الحقيقة تُركوا يتسكعون في الشوارع ويقبضون رواتبهم كالموظفين العاديين. أما بخصوص العسكريين فيذكر أبو عرب أن مسؤولي بعض الأجهزة يفرغون أبناءهم وبناتهم وأقربائهم على الساحة الفلانية وتلك على الساحة العلانية، منوهاً إلى أن «الاسطوانة الدارجة هذه الأيام دوام شهر في البلد و11 شهراً خارجه»، ومطالباً بضرورة مواجهة هذه المشكلة من خلال التفتيشات الفجائية واعتماد توقيع البصمة.
رأفت طنينة يقول: «لا أعتقد أن تكون هذه الظاهره متفشية إلى حدٍ كبير، حتى وإن وجدت، تكاد تكون معدومة، وأنا أعتقد أن الحكومة الفلسطينية لها من الشفافية والدقة والرقابة والمحاسبة ما ليس موجود في كثير من الدول المحيطة بالمنطقة».
رياض عواد يقول: “الحالة موجودة ولكن لا أعتقد أنها وصلت لحد الظاهرة، ويضيف: “هناك المئات إن لم يكن الآلآف ممن يعملون بأكثر من 3 إلى 4 وظائف في نفس الوقت، فلماذا لا يتم منع العمل بأكثر من وظيفة لنفس الشخص لضمان توفير فرص عمل للخريجين الجدد لمحاربة ظاهرة البطالة المنتشرة في فلسطين؟”.
أشرف بركات يقول: “هنالك نوعان من الموظفين الوهميين، منهم من يكون موظف ولا يحضر إلى الدوام وهو قليل الضرر، ومنهم من يكون موظف وعلى رأس عمله ويتقلد مناصب عليا لا ينتج فيها، وهذا الأكثر ضرراً، لأنه يمارس عدم الخبرة على من هم أكثر منهم خبرة، ولكسر فجوة الخبرة يقوم بتعطيل الإنجازات وخلق المعوقات دائماً”.
ناريمان شقورة تذكر “أنها لاحظت في المؤسسات غير الحكومية وجود أسماء وهمية لأناس لا تعمل بالمشروع ويتقاضون مكافآت أو رواتب مقطوعة عليها، لكن في المؤسسة الحكومية ربما يكون هناك تقصير في موضوع التناسب بين المؤهلات العلمية والمناصب من جهة، وبين الأعمال والمهام التي يجب القيام بها وما يخص الدوام من جهة أخرى”.
رشاد يوسف يعتقد أن ظاهرة الموظف الوهمي في مؤسسات السلطة الفلسطينية قد تراجعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، وذلك بسبب إجراءات ديوان الموظفين وديوان الرقابة المالية والإدارية والدوائر الرقابية داخل المؤسسات، منوهاً إلى ضرورة مناقشة مدى إنتاجية الموظفين في بعض المؤسسات الحكومية، حيث أن هناك جزء من هؤلاء لا تتجاوز إنتاجيتهم %10.
آثار ومسؤولية
هناك العديد من الآثار المترتبة لمثل هذا الشكل من الفساد يذكرها د. عبد الكريم في: إنهاك الموازنة العامة، تراجع ثقة ومصداقية المواطن الفلسطيني بنظام التوظيف في القطاع العام، عرقلة أو تعثر تنفيذ مشاريع إنتاجية وتنموية كان بالمستطاع إنشاؤها لولا ذهاب مبالغ مالية طائلة إلى جيوب أشخاص لا يستحقونها، تفاقم أزمة البطالة وتوسيع مخاطرها على المجتمع والاقتصاد الفلسطيني، فضلاً عن تراجع المساعدات المالية المقدمة للسلطة الوطنية، ففي ظل استمرار هذه الظاهرة فإن ثقة الممول بالسلطة ستتراجع، وبالتالي سيتم تقليص الدعم، إن لم ينقطع تدريجياً.
في ظل المعطيات والتقارير المختلفة التي ذكرت سابقاً بشأن «الموظف الوهمي» في القطاع العام الفلسطيني، فإن البعض يشدد على ضرورة تسليط الضوء على هذه القضية وإعداد دراسة علمية موضوعية بشأنها بغية إدراك حقيقتها والعمل على محاربتها.
آليات المحاربة تتمثل في رأي د. عبد الكريم وخريشة في إخضاع المؤسسة الأمنية والمدنية لرقابة ومساءلة السلطة التشريعية والمستوى السياسي، وإعداد موازناتهما وفقاً للأصول المحددة في قانون الموازنة العامة، وتوحيد الإطار القانوني الناظم لعمل هذه المؤسسات، وتوضيح مسؤوليات كل منها، عدا عن متابعة جدية وتنمية فعلية لقدرات العاملين في وحدات الشكاوى في المؤسسات العامة.