ضمن متباعتي لبرنامج "أرب آيدول"، منذ بداية هذا الموسم، وددت أن أكتب مقالاً "فنياً بحتاً" عن الظاهرة الفلسطينية الفنية، والمواهب الغزيرة المشتركة في البرنامج، ولكني ترددت لكوني لا أبحث في الفن عن الهوية السياسية والوطنية، ولا أنحاز لها على حساب الفن.
انا سمير جبران من الثلاثي جبران .. لست فناناً فلسطينياً بل فناناً من فلسطين، وأفتخر بذلك .. بهذه الفلسفة تقدمت بفني إلى أعلى المستويات االعالمية، لإدراكي التام بأن الفن وسيلة لخدمة القضية، وليس العكس، ولإدراكي أيضاً ان النجاح الفني لا يبنى على اساس بطولة الفلسطيني او صورته كضحية.
"وها أنا الان أقع بفخ ضغط الهوية على الثقافة وأكتب" .. لا بأس ان كان المشهد الفلسطيني الفني في "أرب آيدل" قويا، فمنذ فوز الفنان المبدع محمد عساف وحتى هذا الموسم، لا تزال فلسطين تثبت مرة تلو الأخرى أنها غنية بالثقافات والفنون، حتى وان لم تتحرر، فالفن والثقافة الفلسطينية محررة، وهي من اهم المشاهد الثقافية العربية انتشارا "عالميا" .. وفي هذا المشهد أفراد تخطوا حدود الرواج العربي والاقليمي الى العالمية، ان كان في الشعر والفلسفة والسينما والموسيقى وغيرها.
أن يتأهل ستة فنانين فلسطينين من بين الاربعة وعشرين فنانا عربيا لهو ظاهرة وانتصار فني كبير، ففلسطين بحجمها الجغرافي والديموغرافي، وانعدام شركات الانتاج والتسويق وكل مايتعلق بصناعة الفن فيها، ورغم تواضعها في هذا المجال، إلا "أنها كاللؤلؤ تشع على البعيد البعيد، وتحرق من بداخلها".
ومن مكانتي كموسيقي محترف سأخوض في حلقة البارحة، وخاصة في المنافسة الفنية التي خاضها الشاب شادي دكور من فلسطين، فإنني أرى أن دكور ظلم، وظلم الفنان قهر موجع يترك ندبة على مدى تاريخه الفني، حتى ولو تخطى هذا الفنان جرح في مسار فني خارج "أرب آيدول"، وهو ليس بمستحيل .. ولكن وبما أن الحديث هنا عن خيارات لجنة التحكيم، التي أثق بمصداقيتها، وكون أن الحلقة هذه بالتحديد يخرج تصويت الجمهور من حساباتها، فالمهنية والمصداقية الفنية يجب أن تكون السلاح الوحيد لكل عضو من أعضاء اللجنة.
من هنا لا أرى أي مبرر أو تفسير مهني ومقنع إطلاقاً لانحياز حسن الشافعي ضد شادي دكور، مع أن منافسه، وأتفق مع الشافعي لم يكن موفقاً ليس فقط في الاختيار بل في الأداء أيضاً، حيث "النشازات" المتعددة، وهنا أستخدم، ومعنيّ بذلك مصطلح "نشاز" الذي يتحاشى أعضاء لجنة التحكيم استخدامه في تقييماتهم، ويستبدولونه بعبارات أخرى كـ"الخروج عن النغم"، أو "عدم السمع السليم"، وغيرها.
أن يفوز "النشاز" كان مفاجئاً، خاصة أن حسن الشافعي فنان وناقد حساس، فأنا أعلم أنه أدرك في قرارة نفسه تميز شادي عن منافسه، فهو انتقد كثيراً منافس شادي، واكتفى بوصف "المتواضع" عند حديثه عن دكور، بل اعترف بأن اختياره سيكون ليس بناء على ما قدمه الشابان في هذه الحلقة، بل عن مجمل ما قدموه بالماضي، وفي هذا قمة في الظلم، فالحكم يجب أن يكون على آنية ما قدمه هذا أو ذاك في هذه الحلقة، مع إدراكي أن ما قدمه شادي في هذه الحلقة أفضل مما قدمه في الحلقات السابقة، كما أستهجن طلب الشافعي لفاصل إعلاني، وهو من تخصص مقدم البرنامج أو مخرجه وليس من اختصاص اللجنة أو أي من أعضائها.
هل كان طلبك للفاصل الإعلاني نابع من كونك لا تملك سلطة القرار، الذي من المفترض أنه قرارك وحدك؟ .. هل طلبت فاصلاً إعلانياً لاستشارة أصدقاء؟! .. أم أنك تعرضت لضغوطات على طاولة اللجنة دفعتك لعدم اختيار شادي دكور، لأن قراراً ما كان قد اتخذ باسترجاع الشابة الفلسطينية نادين الخطيب، وبالتالي يصبح الحضور الفلسطيني في نهائيات البرنامج ممثلاً بأربعة فنانين من أصل اثني عشر فناناً .. "وهذا كثير علينا؟!".
منذ التصفيات الأولى في هذا الموسم، والحضور الفلسطيني مشرف، بشهادة الجميع واللجنة أيضاً .. لا بأس يا أحبابنا لو كان أربعة فلسطينيين من ضمن الاثني عشر متسابقاً المتنافسين على اللقب .. هذا زمن الانتصارات الفلسطينية حتى على "الفيتو" الأميركي، ولكن "فيتو حسن" معيب ولا يغتفر.