موظفو غزة الأكثر تضرراً من الضغوط الاقتصادية التي تمارسها إسرائيل ضد السلطة
الحدث - غزة -حامد جاد
يخشى موظفون وخبراء اقتصاديون من أن تفضي التهديدات الإسرائيلية القاضية بقطع العلاقة الاقتصادية مع السلطة، وحجبها للإيرادات الضريبية التي تحولها إلى خزينة السلطة شهرياً، إلى حالة من عدم الاستقرار في مجمل جوانب الحياة اليومية للمواطنين، بما في ذلك شل أنشطة القطاعين العام والخاص.
ويرى ذوو العلاقة أن شريحة الموظفين الحكوميين، العسكريين والمدنيين، ستكون الأكثر تضرراً والأسرع تأثراً بتبعات التهديدات الإسرائيلية والضغوط المالية التي ستمارسها إسرائيل ومعها بعض الدول المانحة، كوسيلة للضغط على السلطة من أجل حمل الأخيرة على التراجع عن موقفها الذي ترتب على انهيار المفاوضات، وما وصلت إليه من أزمة إثر تنصل إسرائيل من التزاماتها المتفق على تنفيذها، ومنها إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى.
وحول مخاوف الموظفين وما يساورهم من قلق عقب لجوء إسرائيل إلى وقف تحويل الإيرادات الضريبية إلى خزينة السلطة، وما تشكله هذه الإيرادات من مصدر رئيسي لتغطية كلفة رواتب الموظفين، اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور نصر عبد الكريم أن مخاوف الموظفين مشروعة، ولها ما يبررها، فهم يخشون في ظل الوضع المالي المأزوم للسلطة من أن تطال الأزمة الناجمة عن انهيار المفاوضات رواتبهم وتمس بشكل خاص بقدرتهم على الإيفاء بالتزاماتهم تجاه سداد قروضهم المصرفية.
وأكد عبد الكريم في سياق أحاديث منفصلة أجرتها الحدث أنه في حال تنفيذ إسرائيل لتهديداتها فسيلحق أذى كبير بالاستقرار المالي للسلطة، وإن لم يؤد إلى انهيارها، فمن المؤكد سيؤدي لتصدع قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، وأول هذه الالتزامات قدرتها على دفع رواتب الموظفين التي تقترب من 200 مليون دولار شهرياً وبالتالي من الممكن عدم انتظام دفع الرواتب بالكامل، أو دفع رواتب منقوصة على شكل سلفة مالية، وبالتالي لن يجد الموظف الدخل الكافي لتأمين احتياجاته في ظل مشكلة سداد القروض التي سيعاني من التزاماتها غالبية الموظفين، سيما وأن البنوك ستكون أول من تحصل على قروضها وما يتبقى من الراتب لن يفي بسد الحد الأدنى من احتياجات الموظف وأسرته.
واستبعد عبد الكريم أن تفضي هذه التهديدات في محصلتها النهائية للانهيار الاقتصادي والمالي، أو أن تصل لمرحلة تصبح فيها السلطة غير قادرة على الاستمرار، أو تعلن إفلاسها، فهذا بحسبه لن يحصل، مرجحاً أن تتخذ تلك التهديدات أسلوب فرض العقوبات المرحلية التكتيكية من قبل إسرائيل ومجتمع المانحين وفي مقدمتهم أمريكا واليابان وبعض الدول الأوروبية ممن تميل إلى مجاراة الموقف الإسرائيلي.
ورأى عبد الكريم أن هذا الأسلوب العقابي للسلطة لا يعني أن يلجأ المانحون إلى قطع المساعدات بل سيعمدون إلى عدم دفعها بانتظام أو سيخفضون قيمة التزاماتهم وتعهداتهم المالية المفترض دفعها للسلطة، لذا اعتقد أنه سيكون هناك بعض العقوبات كوسيلة للضغط السياسي على السلطة، من أجل حملها على تعديل موقفها، وأن تتراجع عن توجهاتها بالانضمام لعضوية منظمات الأمم المتحدة”.
وقال عبد الكريم: “إن مخاوف المواطنين عامة، والموظفين على وجه الخصوص، ستصبح كبيرة وستتعاظم عندما تقرر القيادة والشعب أن خيار المفاوضات لم يعد مقبولاً ولم يعد مجزياً، وأن الخيارات المتاحة أمامهم باتت تنحصر في خيارات المواجهة والذهاب إلى منظمات الأمم المتحدة والمقاومة الشعبية وربما المسلحة وهنا من الممكن أن يقترب الفرقاء الفلسطينيون أكثر إلى المصالحة والوصول إلى توافق على برنامج سياسي، وفي المقابل ستواجه إسرائيل هذه المتغيرات باستراتيجية أكثر عدوانية، وربما عقوبات أشد وأعنف، وبالتالي من الممكن أن لا تستطيع السلطة القيام بواجباتها، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من احتمالات المواجهة وعدم استقرار الأوضاع، ما سيفتح الباب واسعاً أمام إمكانية العودة مجدداً إلى موجة العنف، خاصة وأن إسرائيل تسابق الزمن في تكريس الحل حسب أطماعها، وتواصل استيلائها على الأغوار وتهويد القدس، وتمعن في ممارساتها الرامية لترسيخ يهودية الدولة».
وتوقع عبد الكريم إمكانية تدخل سلطة النقد في حال عدم قدرة السلطة على دفع الرواتب بشكل منتظم، وبالتالي من الممكن أن يتم الاتفاق على ترتيبات واجراءات لإعادة جدولة الديون، منوهاً في هذا السياق إلى أن عدد موظفي السلطة يقدر بنحو 180 ألف موظف منهم 70 ألف موظف في غزة.
وبين أن إصدار السندات التي لجأت إليها سلطة النقد مؤخراً تعد خطوة لا تستوجب المبالغة في ما سيترتب عليها من حلول، فهي عملية توريق تعني أن يتم استبدال الدين والقروض المصرفية بصكوك تستحق الدفع خلال فترة أطول من فترة تسديد القروض، فالحديث هنا يدور حول فترة تزيد عن ثلاث سنوات وبفوائد أقل، والبنوك تقبل هذا السند، وهنا نحن نتحدث عن 200 مليون دولار من مجموع القروض «1.4 مليار دولار» قصيرة الأجل المترتبة على السلطة، أما الـ 200 مليون فهي قروض طويلة الأجل، والتوريق ليس قرضاً مصرفياً بل سند يمكن أن يباع لبنك آخر لديه سيولة، وهذا من شأنه أن ينشط السوق ما بين البنوك نفسها.
ويذكر في هذا الشأن أن محافظ سلطة النقد د جهاد الوزير أكد أن اللجوء إلى التوريق من شأنه أن يعزز من الاستقرار المالي للسلطة، لافتاً إلى أن حوالي 200 مليون دولار من الديون ستحول إلى سندات تطرح للتداول داخل النظام المصرفي فقط، وليس في السوق المفتوحة، فيما قرر مجلس الوزراء، وللمرة الأولى منذ تأسيس السلطة الوطنية، الموافقة على إعادة هيكلة جزء من الديون الحكومية للجهاز المصرفي الفلسطيني عن طريق آلية التوريق، وذلك من خلال إصدار سندات حكومية كجزء من خطة الحكومة الرامية لتنظيم الديون الحكومية مع الجهاز المصرفي وتخفيف العبء المالي ومواجهة التحديات الراهنة وتهيئة الجهاز المصرفي للتعامل بأسواق السندات وأدوات الدين الحكومي.
وأكد عبد الكريم أن الموظف الحكومي هو الأكثر تضرراً بشكل مباشر من التهديدات الإسرائيلية وما سيترتب على حجب إيرادات العائدات الضريبية، مشدداً أن الموظفين في قطاع غزة سيكونون الأشد تضرراً نظراً لأن الخيارات أمام موظفي غزة محدودة بالمقارنة مع موظفي الضفة، فأوضاع غزة ليست بحاجة إلى أزمات جديدة، والأزمة الجديدة ستضاعف معاناتهم وستقوض، بشكل عام، مقومات الاقتصاد الوطني التي تعتمد، إلى حد كبير، على الإنفاق الحكومي، بدليل أن الحركة التجارية تنشط في الأراضي الفلسطينية خلال الأيام القليلة التي تعقب تسلم الموظفين لرواتبهم، ومن ثم يعود النشاط التجاري في السوق المحلية إلى وتيرته السابقة.
أما الموظف أيمن الغصين 48 عاماً لم يخف شعوره بالقلق الشديد تجاه المخاطر التي تهدد استقراره المالي والمعيشي، مشدداً بقوله: «بالتأكيد هناك قلق كبير في حال انقطاع الراتب فالموظف لا يملك أي عمل آخر ولا مهنة أخرى من الممكن أن تساعده في إعالة أسرته وتغطية نفقاته المختلفة، كالعلاج ومصاريف دراسة أبنائه في المدارس والجامعات وغيرها من التزامات مثل سداد القروض المصرفية المترتبة على غالبية الموظفين».
واعتبر الغصين أن الموظف الحكومي يدفع دوماً راتبه ثمناً للضغوط التي تمارسها إسرائيل على السلطة وقال: «في كل مرة تتأزم فيها المفاوضات بين الجانبين وتتعرض فيها قيادتنا لضغوط شتى، لحملها على تقديم تنازلات تلجأ إسرائيل كالعادة للضغط الاقتصادي، والتلويح بحجب الإيرادات الضريبية كما فعلت الأسبوع الماضي عقب أزمة المفاوضات الأخيرة، فحجبها لهذه الإيرادات التي يفترض أن تحولها إلى خزينة السلطة تندرج في إطار محاولاتها المستمرة لابتزاز السلطة من خلال تحكمها بقدرة السلطة على صرف رواتب موظفيها».
ويصف الغصين حاجة الموظفين إلى راتب منتظم يكفل لهم الاسقرار المعيشي بمثابة سيف مسلط على رقابهم، فمع أول تهديد يمس باستقرارهم المنشود تبدأ مخاوفهم تنعكس على سلوكهم الاستهلاكي عبر تقنين نفقاتهم، منوهاً إلى أن الموظفين كافة باتوا منذ الحديث عن الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة مسكونيين بهاجس عدم انتظام الراتب وتباطؤ المانحين في تقديم الدعم المالي للسلطة.
واعتبر الغضين أن تأخر دفع رواتب الموظفين أو دفع جزء منها، سيضاعف من حدة الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها الموظف، خاصة في قطاع غزة، فليس هناك موظف إلا وعليه التزامات أو أن يكون مديوناً لبنك، أو لأخ أو لجار، لذا الموظف بدون راتب سيكون وضعه صعب جداً خاصة في ظل الغلاء المعيشي الذي نعيشه، حتى وإن كان لدى قلة من الموظفين مدخرات، فلن تفي على المدى الطويل بتلبية احتياجاتهم، مشدداً أنه في حال دخلت التهديدات الإسرائيلية حيز التنفيذ ستشكل حصاراً على القطاعات الاقتصادية كافة، الحكومية والخاصة.
أما الموطفة حليمة نصار، فأشارت أنه في حال اتخذت إسرائيل إجراءات اقتصادية عقابية ضد السلطة، فإن المعاناة ستصبح عامة، ولن تقتصر على المعاناة الناجمة عن الحصار المفروض على غزة، فعندما تطال الأزمة رواتب موظفي السلطة ستصل الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، خاصة بالنسبة إلى غزة التي تتحرك فيها الأنشطة التجارية المختلفة ليومين فقط، عقب استلام الرواتب، وباقي أيام الشهر تسود الأسواق حالة من الركود.
وتتساءل نصار: «كيف تحاصرني وتحرم أبنائي من قوت يومهم؟ إن الوصول إلى هذه المرحلة يعني خلق حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار، نتيجة لعجز أي جهة على ضبط الأمور، فعندما يعاني الكل ليس مثل معاناة الجزء وبالتالي إذا ارتكبت اسرائيل مثل هذه الحماقة، فالكل سيكون تحت مطرقة الفقر والعوز، وعند ذلك لن تستطيع السلطة السيطرة على الوضع الداخلي، وكذلك حماس لن تستطيع أن تتحمل مزيداً من أعباء إعالة أهالي قطاع غزة، فهي بالكاد تستطيع منذ عدة أشهر دفع سلفة شهرية لموظفيها».
وترى نصار أن الرئيس محمود عباس سيتمسك بموقفه كي لا يسجل في نهاية حياته السياسية أي مأخذ عليه، ويقال إنه فرّط أو تنازل عن الثوابت، فهو يريد أن يغادر الحياة السياسية مرفوع الرأس، وبالتالي لابد وأن تلتقط إسرائيل هذا الأمر، ويتوجب كذلك على العرب أن يلتقطوا ذلك ويقفوا إلى جانب السلطة.
وبينت أن حياة الموظف تسير بوتيرة تقليدية، ويعتمد بشكل أساسي على راتبه في تسديد نفقاته واحتياجاته، فهو بمجرد أن يتسلم راتبه، يبدأ في سداد ديونه لصاحب البقالة أو البنك ومن ثم يعود مجدداً للاقتراض وهكذا دواليك، لذا فالراتب يعد بالنسبة للموظف في غزة العقاب الأخير الذي لن يستطيع تحمل عواقبه، وبالتالي لايحق لأحد أن يتوقع منه الصمود أمام فاقة الفقر والعوز، ما يعني، بحسبها، ضرورة أن تبحث السلطة عن الحلول البديلة اللازمة لمعالجة الأزمة القادمة، فنحن في غزة محاصرون وعانينا البطالة والجلوس في المنازل خلال السنوات السبع الماضية، وهذا بحد ذاته كان عقاباً ولانتطلع للعلاوات ولا نتذمر من حجبها لسنوات ولكن لانستطيع تحمل مزيداً من المعاناة.