الحدث- محاسن أُصرف
بالحجر والمقلاع والسكين قاوم فلسطينيي الأراضي المحتلة خلال الانتفاضة الثالثة في الشهور الأولى، لكنهم ما فتئوا أن استعادوا سلاح الانتفاضة الأولى 1987 والانتفاضة الثانية 2000 مع بعض التعديلات التي أعطت فعالية كبيرة في إصابة الهدف وتحقيق نتائج أرهبت الاحتلال وأربكت موازينه الأمنية والعسكرية، إنَّه "الكارلو" الذي شكل نقلة نوعية في عمليات المقاومة الفلسطينية هناك وكان له الفضل في سقوط 10 قتلى إسرائيليين خلال6 عمليات فردية من أصل28عملية إطلاق نار على مدار عام 2016.
ويُعد "الكارلو" النسخة الفلسطينية محلية الصنع عن سلاح "كارل جوستاف" السويدي الأصل، وقد استخدمها الشهيد عماد عقل في هجومه على قائد الشرطة الإسرائيلي في قطاع غزة يوسف آفنيبغد خلال حقبة الانتفاضة الأولى، ومن ثمَّ تم استخدامه في الانتفاضة الثانية عام 2000 في عمليات إطلاق نار نوعية سواء بشكل فردي أو جماعي، لكن الاستخدام الأبرز والأكثر كثافة كان في الانتفاضة الثالثة الحالية ما دعا الاحتلال إلى محاولة تقويض تلك الصناعة بمداهمة ورش الحدادة والخراطة في الضفة المحتلة ومصادرة كافة الأجهزة والمعدات المستخدمة في صناعته.
الحاجة أعادت الكارلو
وبحسب مراقبون فإن سلاح الكارلو لم يُبتدع خلال الانتفاضة الثالثة بل الحاجة إلى وسيلة فعالة في المواجهة هي من أعادته إلى السطح من جديد، ويقول اللواء الفلسطيني "واصف عريقات" أن الأسلحة المتطورة والمتنوعة لدى جنود الاحتلال والمستوطنين أدت إلى بروز "الكارلو" من جديد باعتباره سهل التصنيع محليًا، ويُشير إلى أن المُقاومة الفلسطينية طورّت السلاح بشكل أحدث ليتناسب بأي حال من الأحوال مع سلاح الاحتلال في قوة الأداء وقوة النتيجة.
وتُعد عمليات "ديزنغوف"، التي نفذها نشأت ملحم، وعملية محمد وخالد مخامرة المعروفة باسم (صليةالكارلو)، وعملية مصباح صبح وعملية عتنائيل التي نفذها الشاب محمد الفقيه، الأبرز خلال العام 2016 والتي تمكنت من حصد أرواح عشرة إسرائيليين، وبثت الرعب والخوف في أرجاء المدن التي تُسيطر عليها إسرائيل خاصة وأن بعض المنفذين كـ ملحم والفقه استطاعا التخفي والفرار بعد تنفيذ عملياتهما البطولية لوقت طويل.
وفيما يتعلق بعملية وآلية التصنيع وقوة سلاح "الكارلو" يُؤكد "عريقات" أنه يُمكن تصنيعه في ورش الحدادة أو الخراطة المحلية، وبيّن أن استخدامه أيضًا لا يحتاج إلى مهارات كبيرة وآمن على المُقاوم باعتباره عديم الارتداد وإصابته أيضًا دقيقة إذا أُحسنت وأُتقنت عملية تصنيعه، بالإضافة إلى أن ذخيرته "رصاصة 9 ملم متوفرة بكثرة ومخزنه يستوعب قرابة 25 طلقة،وقال :"إن "الكارلو" له قدرة على إصابة الأهداف بشكل جيد، وبسيط التكلفة مقارنة بالمسدسات أو الأحزمة الناسفة أو سلاح القنص" لافتًا أن العقبة الوحيدة في "الكارلو" هو المسافة التي يُحقق عبرها الإصابة فهي تقتصر على مئة متر فقط، الأمر الذي يتعارض مع أسلوب المقاومة القائم على سرعة التنفيذ لافتًا أن ذلك سبب نسبة الخطأ الأكبر في استخدامه وتحقيقه الاستهداف المباشر للإسرائيليين.
فيما لفت عمر جعارة، المختص في الشأن الإسرائيلي أن العمليات التي نفذتها المقاومة الفلسطينية وجاءت في مجملها بشكل فردي وباستخدام أسلحة بدائية بسيطة وتقليدية أمام الترسانة العسكرية الإسرائيلية أحدثت حالة من الرعب والفزع الأمني لدى الاحتلال، وتوقع أن تستمر على ذات النهج رغم كافة عمليات التقويض والمداهمة التي استهدفت ورش الحدادة والخراطة للقضاء على عملية تصنيع "الكارلو" وبيّن أن الحل الأمني الذي تلتزمه إسرائيل لن يُجدي نفعًا أمام رغبة الشعب في إشعال الميدان في كل حين أملًا في إنهاء الاحتلال وتحقيق الانتصار في معركة الحرية الكرامة التي يخوضها منذ عام 48، وقال: "إن عمليات القتل والحصار والإرهاب لن تفلح في تركيع الفلسطينيين وثنيهم عن هدفهم".
مُحاربة إسرائيلية حامية الوطيس
مؤخرًا تنبّهت إسرائيل لهذا السلاح الذي اعتبرته الأخطر والأكثر انتشارًا لدى المقاومة بالضفة المحتلة، وعمدت إلى ضبط عملية وجوده بين أيدي المقاومين بمصادرة كافة الآلات المُستخدمة في صناعته من ورش الحدادة والخراطة في مختلف المناطق الصناعية بالضفة المحتلة.
وقبل أسبوع تقريبًا أعلنت الإذاعة الإسرائيلية أنها أجهزت على أكبر مصانع السلاح في الخليل جنوب الضفة المحتلة وقالت الإذاعة وقتها :"إن المصنع المُكتشف الأكبر في الضفة" وزعمت أنها عثرت عليه تحت أحد منازل الفلسطينيين"، وأنها كمية السلاح التي تم ضبطها كبيرة جدًا من طراز كارلو وكذلك بنادق أم 16 بالإضافة إلى ضبط 15 مخرطة وكميات كبيرة من الذخيرة، وأكدت وقتها الإذاعة أنها اعتقلت صاحب المنزل وابنه.
وقبل ذلك في أواخر أغسطس زعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن الجيش الإسرائيلي ضبط أكثر من مئتي قطعة سلاح وأغلق أكثر من 22 مخرطة في مختلف مناطق الضفة.
وبرغم من هذه المحاربة إلا أن "الكارلو" ما زال متواجدًا في أيدي المقاومة الفلسطينية بالضفة يُرهب الاحتلال ويُحقق إنجازات في تاريخ النضال الفلسطيني.